الثروة الحيوانية..خطط حكومية وواقع صعب
قطاع الثروة الحيوانية في سورية لم يكن بعيداً عن تبعات الأزمة الراهنة في سورية، وباتت كلمة ثروة مهددة بالنسبة لهذا القطاع الذي تعرض لخسائر ليست بقليلة، فمعظم الأرقام التي نشرت عن خسائره تبقى أرقاماً مبدئية رغم ضخامتها..
قدرت خلال هذا العام: بـ 20 مليار ليرة، إضافة إلى 8 مليارات خسائر تعرض لها قطاع الثروة النباتية وفق ما ذكرته مديرية زراعة دمشق وريفها، وهذه الخسائر دفعت وزارة الزراعة إلى الحد منها ومن آثارها على المربين حيث أوضح معاون وزير الزراعة، أحمد قاديش خلال العام الماضي، أن الوزارة بدأت العمل على تشكيل فريق لتطوير الثروة الحيوانية في سورية، وتم رصد ميزانية بمقدار 73.13 مليون دولار لهذا المشروع.
لا شك أن لقطاع الثروة الحيوانية دوراً هاماً في الاقتصاد السوري، لا يقل أهمية عن أي قطاع إنتاجي أخر، فهو يعتبر من أكثر القطاعات المشغلة للأيدي العاملة كونه قطاعاً غير منظم «منزلي»، وتنتشر أماكن عمله في الأرياف, أي تعتمد عليه الأسر الفقيرة والأسر من ذوي الدخل المحدود، وهذا ما جعله واسع الانتشار سابقاً، لدرجة أن سورية كانت من أكثر الدول المصدرة لمشتقات الحليب من ألبان وأجبان لمختلف الدول المجاورة، عدا عن كونها مصدراً أساسياً للحوم العواس والأبقار، أما حاليا فالصورة انعكست، حيث سمح مؤخراً باستيراد الأبقار والعجول لتغطية العجز الموجود في هذه الثروة، ورغم الخسائر التي أصابت قطاع الثروة الحيوانية فلا تزال عمليات تصدير العواس تسير على قدم وساق، وفي كل عام يتم فتح باب تصدير الأغنام والماعز حيث ترى الجهات المسؤولة عن ذلك أن من شأن فتح باب التصدير مساعدة المربين وتشجعيهم على التربية أكثر حيث سمحت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية حالياً بتصدير 6 آلاف رأس من الأغنام أسبوعياً مما أثار حفيظة بعض الجهات الأخرى. كما تعرضت هذه الثروة كغيرها من الثروات إلى التهريب لخارج سورية إلى البلدان المجاورة وذلك لفارق السعر الكبير، مما شجع على اتخاذ قرار تصدير الأغنام والماعز، حيث أكد معاون وزير الزراعة أحمد قاديش، أن الحديث عن تهريب ونقل الأغنام خارج سورية هو سبب ارتفاع أسعار اللحوم مؤخراً عار عن الصحة، مشيراً إلى أن هناك تشديداً كبيراً من وزارة الزراعة على نقل القطعان ضمن البلاد بهدف الحدّ من التهريب، إضافة إلى التشديد على منع ذبح الإناث، إلا أن مصادر ذكرت سابقاً، أن عمليات تهريب كبيرة لذكور الماعز والأغنام البلديّة تحدث عبر المناطق الحدودية بين ريف دمشق ولبنان، وخاصّةً عبر مناطق قارة والمناطق المحيطة بها، وهذا ما أكدته مصادر مطلعة في تصريح لإحدى الصحف المحلية خلال العام الماضي، حيث أشارت إلى أن هناك عمليات تهريب كبيرة للأغنام والماعز تحدث يومياً، حيث تبلغ نحو عشرة شاحنات حمولة الواحدة منها نحو 450 رأس، ويتقاضى المهربون 10 دولارات عن الرأس الواحد من الغنم والماعز
صعوبات تواجه قطاع الثروة الحيوانية..ومحاولات للتخفيف
محمد أيمن دبا مدير مشروع تطوير الثروة الحيوانية أوضح في تصريحه لـ»قاسيون»، أن وزارة الزراعة ومشروع تطوير الثروة الحيوانية يسعيان لتخفيف الأعباء عن المربين وخاصة بما يتعلق بالتسويق والأعلاف، مشيرا إلى أن هذا القطاع يواجه العديد من الصعوبات أهمها صعوبات التسويق وهذا ما يفسر توفر منتجات الثروة الحيوانية في مناطق الإنتاج ورخص سعرها مقارنة مع عدم توفرها في بعض الأسواق الأخرى أو توفرها وارتفاع سعرها، مشيراً إلى أن من الصعوبات التي تعترض عمل هذه القطاع أيضاً الخدمات الأساسية من لقاحات وغيرها بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التربية على المربين. ونوه إلى أن مشروع تطوير الثروة الحيوانية يسعى جاهداً إلى تأمين الأعلاف المناسبة لهذا القطاع ودعمه, كونها تشكل النسبة الأكبر من حيث التكلفة على المربي بالإضافة إلى النقل من منطقة الإنتاج إلى أسواق الاستهلاك، مشيراً إلى أن نقل الأعلاف أيضا من الداخل إلى الأطراف أصبح يكلف ضعف قيمة العلف بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وخاصة مع خروج منطقة الجزيرة عن إنتاج الأعلاف والتي كانت تغذي بقية المناطق. ونوه إلى أن مشروع تطوير الثروة الحيوانية يعمل حالياً على طرح أعلاف بديلة مثل أعلاف البقوليات والخضروات بحيث يتم توزيع بذار الأعلاف على الفلاحين لزراعتها, كما سيتم إطلاق الصندوق التشاركي للأعلاف، ونسعى خلال الشهر القادم إلى الاستفادة من نواتج تقليم الزيتون في اللاذقية للاستفادة منها واستخدامها كعلف للحيوانات والتي تعتمد على ورق الزيتون, مشيراً إلى أنه علف مغذٍ جداً للحيوانات، وسيتم تسويقه وإدخال 20% منه في الأعلاف وتم شراء 4 آلات لفرم المخلفات واللاذقية تحتاج إلى 40 آلة لتغطية المنطقة, مشيراً إلى أن سعر الآلة الواحد يصل إلى 1.200 مليون ليرة إلا أن الأرباح الناتجة عن استخدام هذه الآلة تصل إلى 40% .
حصر عدد الأبقار في اللاذقية والسويداء..
وعن تعداد الثروة الحيوانية قال دبا: «سيتم خلال هذا العام حصر عدد الأبقار في السويداء واللاذقية حيث تم التعاقد على إحصاء 30 ألف رقم وخلال العام القادم سيتم حصر عدد الأبقار في طرطوس والغاب»، مشيرا إلى أن العدد الأساسي الذي كان معروفا قبل الأزمة هو 1.200 مليون رأس بقر، متوقعا أن يتم حصر قرابة 400 ألف منها، في حين أن تقدير وزارة الزراعة لعدد رؤوس الأغنام يصل إلى 18 مليون رأس. ونوه إلى أن استيراد الأبقار يسير بخطى بطيئة كون الأمر يحتاج إلى شهادات سلامة وقوانين خاصة بحماية الثروة الحيوانية.
وكان تقرير صدر عن مديرية الزراعة في محافظة دمشق خلال العام الماضي أفاد، أن إجمالي أعداد الثروة الحيوانية في دمشق وريفها، بلغ نحو 10.5 مليون رأس، تتوزع على حوالي 6.7 مليون رأس من الأغنام، و2.9 من الماعز، و11.1 الف رأس من الأبقار، و724 ألفا من الخيول.
سورية تستورد الأبقار وتصدر الأغنام..!
وعن التناقض في اتخاذ القرارات حيث تقوم الجهات الحكومية باستيراد الأبقار وفي نفس الوقت تقوم بتصدير الأغنام والماعز، لفت مدير مشروع تطوير الثروة الحيوانية، إلى أن الحكومة تقوم باستيراد لحوم الجاموس وتصدر الأغنام، على الرغم من أن المستهلك لا يأكل لحم الجاموس لأنه اعتاد على لحم العواس رغم أن لحم الجاموس سليم ورخيص، مؤكداً أن الجدوى الاقتصادية تحتم تصدير الأغنام، فليس من المعقول أن يكون سعر كيلو لحم العواس على سبيل المثال بـ100 ليرة محليا وسعره في الأسواق الخارجية ألف ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية السلع فليس من المعقول أن أبيع كيلو البندورة في الأسواقٍ المحلية بـ50 ليرة وسعره في الأسواق الخارجية 500 ليرة، مشيراً إلى أن لحوم العواس لها ميزة نسبية كسلعة رائجة في الأسواق الخارجية وهذا يشجع المربي على الاستمرار بعملية التربية، مع الإشارة إلى أن التصدير لا يؤثر على الأسواق المحلية من حيث توفر المادة أو ارتفاع سعرها كونه يوجد عدد كافٍ قادر على تغطية السوق المحلية، مؤكداً على أن الأسعار تحدد وفق مبدأ العرض والطلب وخاصة بالنسبة للحوم.
توقعات بانخفاض أسعار اللحوم الحمراء قريباً
وأضاف: ارتفعت أسعار اللحوم نتيجة ارتفاع التكاليف الخاصة بالتربية، فمعظم المربين لم يقوموا بطرح القطيع في الأسواق خاصة في الصيف للحصول على الأعلاف من المروج وتوقع أن تنخفض أسعار اللحوم الحمراء وخاصة العواس بعد الشهر العاشر من هذا العام حيث سيقوم المربون بطرح القطيع في الأسواق وبالتالي زيادة العرض. وكان الخبير في الإنتاج الحيواني عبد الرحمن قرنفلة، أوضح أن التقارير المتخصصة حول آفاق الأمن الغذائي في سورية خلال عام 2014، تشير إلى احتمالات تفاقم واستمرار تدهور الثروة الحيوانية في حال تواصل الأزمة الراهنة، “وأن العديد من العوامل المضادّة تراكمت آثارها على قطاعي الماشية والإنتاج المحصولي، كما تشير إلى أن الإنتاج الداخلي سيتعرض لأضرار جسيمة خلال السنة القادمة، إضافة إلى تضرر رعاة الماشية نتيجة لتقييد حركة القطعان وصعوبة الحصول على العقاقير البيطرية والتجهيزات الأخرى. وهنا لا بد من ذكر معلومة, أن معظم المربين وفق بعض الخبراء لم يخرجوا عن عمليات التربية إلا ما ندر ولكن تم تسجيل انخفاض في أعداد القطيع، حيث اضطر المربي نتيجة الأزمة الراهنة إلى تخفيض عدد رؤوس القطيع, إما لنقله من مكان لأخر, ومن محافظة لأخرى, هرباً من الأحداث الاستثنائية، أو نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف التي يشتريها من السوق، فالمربي الذي كان لديه 500 رأس أضطر لتخفيض العدد إلى 300 رأس لتلبية حاجة القطيع من الأعلاف.
تعليق: الأعلاف البديلة ليست كافية
نهاية القول لا بد من التأكيد بأن التوجه نحو إنتاج أعلاف بديلة خطوة حكومية في الاتجاه الصحيح إلا أنها تعتبر جزءاً من خطة يجب على الحكومة أن تعمل عليها, وهي تأمين الأعلاف للمربين بشكل دائم ومستمر وبأسعار تشجيعية وكسر احتكار الأعلاف في الأسواق وفق ما ذكر سابقاً، وهذا لن يتحقق إلا من خلال الدعم المستمر للمربين والوقوف على الأرقام الحقيقية للقطيع في جميع المناطق, لمنع التلاعب بكميات الأعلاف الموزعة ومنع المتاجرة بها، وذلك إما عن طريق المكاتب الفلاحية، أو عبر اتحاد الغرف الزراعية واتحاد الفلاحين، مع إيلاء أهمية كبيرة بأن تخصص الحكومة مساحات لزراعة الأعلاف وذلك للاستغناء عن استيرادها، والذي يلعب الدور الكبير في رفع الأسعار، فعندما يتم توفير الأعلاف محلياً عبر زراعتها كمحصول هام واستراتيجي كونه يمس قطاع الثروة الحيوانية، فإن أثار ذلك ستنعكس إيجابا وبسرعة على هذا القطاع وعلى المربين وبالتالي على المستهلك المحلي والخارجي أيضاً.