مرضى السرطان «محكومون بالموت أو الدواء».. عددهم يتزايد والأدوية لاتكفيهم
يضطر العديد من مرضى السرطان القادرين مالياً، للجوء إلى الادوية المهربة عبر طرق غير شرعية، ومايجبرهم على ذلك هو انقطاع اصنافاً كثيرة من الادوية عن المشافي العامة التي من المفترض ان تقدمها بشكل مجاني، إلا أن عدة عوامل ساهمت بعدم قدرة هذه المشافي على تأمين كل الادوية لتغطية كافة الاحتياجات، اي انه هناك «عجز حقيقي» في تغطية حاجات جميع المرضى من أنواع أدوية معنية، بحسب أحد المرضى.
عدد من الاخصائيين اكدوا لـ»قاسيون» ان عدد المصابين بمرض السرطان ازداد بشكل «كبير جداً» خلال سنوات الحرب، وهذا قد يضع أمام وزارة الصحة تكاليف اضافية لتغطية احتياجات المرضى من الادوية، إلا أن ارتفاع سعر الصرف، ومحدودية مخصصات الاستيراد قد تكون عائقاً اضافياً امام سد الاحتياجات التي تزداد بشكل سريع.
مشافي مجانية!
يقول مرافق أحد المرضى لـ«قاسيون»: «في المشافي الحكومية، يقولون إن الادوية غير المتوفرة موجودة في المستودعات، وهذا يتطلب وقتاً لجلبه. ونتيجة الانقطاع المتكرر لدواء بيركو عيار خمسة، أصبحنا مضطرين لشرائه من لبنان عبر عملية تهريب دورية، ولهذا ترتبت علينا نفقات اضافية كبيرة لايمكن تحملها، ووصلنا إلى مرحلة نفكر فيها باخراج المريض (اخي) إلى لبنان للعلاج بعد كل تلك النفقات رغم وجود مشافي مجانية في سورية».
قرب مشفى المواساة، التقينا عدة مرضى، وقال أحدهم «دواء غليفك، غير متوفر، وقد نحصل عليه مرة والأخرى لا نحصل، وكأن الكمية الواردة من هذا الدواء إلى المشفى غير كافية. قال لي احد الاطباء ان ميزانية مشفى المواساة لاتسمح لها باستجرار كمية كافية من الادوية السرطانية، ولهذا السبب نحن محكومون بالموت او الدواء كوننا غير قادرين على شراء الدواء من نفقتنا الخاصة».
ماتيرا وغليفك
طبيب في عيادة تخصصية في دمشق، فضل عدم ذكر اسمه، أكد أنه «هناك عدة ادوية سرطانية فقدت نهائياً خلال الأزمة التي تعصف بالبلاد، وهناك أدوية متوفرة في الاسواق بشكل غير مشروع لكن باسعار باهظة، تكون موجودة بشح في المشافي العامة، كدواء ماتيرا الموجود حصراً في مشفى البيروني، ويصل سعره إلى مليون ونصف المليون ليرة سورية، وعلى هذا لايعطى إلا لحالات خاصة بالمجان، وبعد تشكيل لجنة طبية».
وأردف « غليفك أيضاً موجود بشكل شحيح عبر التهريب، وسعره يصل إلى 2400 دولار للعلبة، ويمكن أن يحتاجه الشخص المصاب كل شهر ثلاث مرات».
وعن سبب انقطاع بعض الاصناف الدوائية «القديمة» لمرضى السرطان نهائياً، قال الطبيب «استحدثت علاجات كثيرة بين الاطباء، وشهرتها طغت على الادوية القديمة، لكن الاختبارات التي اجريناها أثبتت ان الادوية الحديثة، مجرد حالة اعلانية، ونتائجها ليست مشرقة، بينما يمكن انقاذ الكثير من المرضى عبر استخدام الادوية القديمة المفقودة حالياً والتي لايعرفها الكثير من الاطباء الجدد».
«موضة»
وأردف «هناك حالات فشلت في الاستجابة للادوية الحديثة، وعندما اخضعناها للادوية القديمة استجابت بشكل رائع، حتى يمكن انقاذ بعض تلك الحالات وشفاءها بشكل تام، لكن هناك حملات ضخمة من معامل الادوية، للترويج للأنواع الدوائية الجديدة، جعلت من الادوية القديمة غير متداولة، وبالتالي فقدانها من السوق نتيجة عدم طلبها».
وأكد أن طلب بعض الأطباء المختصين في سورية للأدوية الحديثة، مثل «غليفك»، جعل الحكومة مضطرة لاستيراده - رغم أنه حالياً غير متوفر بشكل كافي- ، بينما كنا نعالج مرضى سرطان الدم، بدواء آخر أقل كلفة وجيد لكنه لم يعد متوفراً، وأصبح المرضى اليوم مضطرين انتظار توفر «غليفك»، مضيفاً ، و»الماتيرا» أيضاً دواء مرتفع الثمن جداً، مع اننا كنا نعالج اللمفومات دونه، لكن اليوم المرضى مضطرين لاستعماله لعدم وجود البديل.
وتابع «هناك ادوية حديثة اثبتت جدواها، وادوية اثبتت فشلها، غليفك مثلاً سيطر على نوع خاص من سرطان الدم، وحاولت الشركات نسج كتير من المركبات عليه لسرطانات أخرى غير الدم لكنها غير مجدية، وكل من استخدمها انتهت حياته»، مشيراً إلى أدوية حديثة ممكن أن تنقطع بين الحين والآخر من السوق ومنها البلاتين ومشتقاته.
موازنة المشافي الحكومية تنعش السوق السوداء!
«السوق» التي قصدها الطبيب المختص، هي على حد وصفه « صيدليات اشتهرت بالتهريب، لعدم توفر الادوية بشكل كافي في المشافي، وفي السوق يمكن ضرب الاسعار الحقيقية بـ10 اضعاف»، طارحاً مثال لأحد الادوية «150 ميلي تكلفتها 7 آلاف ليرة، تباع اليوم بـ 35 الف، وقد يحتاجها المريض كل ثلاث اسابيع».
وحول عدم توفر الادوية بشكل كافي في المشافي الحكومية، قال الطبيب إن «للمشافي الحكومية موازنة خاصة للادوية السرطانية لايمكنهم تجاوزها، ولايمكنهم من خلالها شراء كميات كبيرة وكافية تسد الحاجة. صحيح أنه هناك استثناءات لاستجرار ادوية عبر منح اضافية فوق الميزانية لحالات الطوارئ، لكن بسبب الغلاء الفاحش وفرق العملة، تبقى المشافي غير قادرة على سد الحاجة».
وأكد الطبيب أن «الحالات المصابة بالسرطان في سورية ازدادت جداً خلال الحرب، والسبب هو ان الانسان الطبيعي يملك آلية للدفاع ضد السرطان في الجسم، فكل الاجسام تشكل خلايا سرطانية بمعدل لايقل عن 10 ملايين خلية في اليوم، حيث يقوم جهاز الرقابة المناعية بالتعرف عليها وقتلها في أقل من 24 ساعة بالحالة الطبيعية، وهذا الجهاز فائق الحساسية للامور النفسية، مايعني أن الحزن الشديد والخوف والصدمة والانفعال القوي، يمكن أن يعطي فرصة للخلايا السرطانة للتتفاقم وتشكيل ورم خبيث».
6 أشهر قاتلة
وسيم الدهن ، مدير مؤسسة التجارة الخارجية «فارمكس»، المعنية باستيراد الادوية السرطانية كما غيرها من الحاجات الاستيرادية للجانب الحكومي، شرح سبب انقطاع الأدوية السرطانية لفترات من السوق عبر حديث اذاعي، قائلاً «هناك نوعين من المناقصات تقوم بها المؤسسة منها الداخلي ومنها الخارجي، وفي الحالة الاخيرة، وعند التماس الحاجة الدوائية، يتم الاعلان وفض العروض عن الحاجات، وهذه العملية تستغرق مدة زمنية تتوقف على عدد المستحضرات المطلوبة، لكنها وسطيا تستغرق بين اعلان وفض عروض وتثبيت في مجلس الادارة للشركات حوالي الشهر، بينما فترة التسليم تتوقف على الشروط التعاقدية، وان كانت المستحضرات سهلة الانتاج يمكن ان نضع فترة تسليم اولية 60 يوماً، ووسطياً 90 يوماً لبعض الاصناف، أي أن عملية الاستيراد الخارجية تستغرق حوالي 4 اشهر».
الـ4 أشهر لم تكن كامل المدة التي تصل بها تلك المستحضرات إلى سورية، وحتى تتمكن «فارمكس» من توريد المستحضرات إلى السوق تحتاج إلى شهر أو شهرين اضافيين، وفقاً للدهن، وهذه المدة الطويلة قد تكون قاتلة لبعض مرضى السرطان، لذلك يضطر الميسورين للتوجه إلى السوق السوداء أو السفر للخارج، بينما ينتظر البعض «الموت او الدواء».
بدون رقابة!
وعن امكانية تسريع وتيرة الاستيراد الخارجي، أكد الدهن «ان فارمكس لا تعلم بان هذا الدواء مفقود أو غير مفقود من السوق، فهي تتعاطى مع الواقع الاحتياج الدوائي، حيث تأتينا طلبات حول حاجة معينة، وعندها نقوم باعلان المناقصات للاستجرار»، موضحاً أن «الية استجرار الدواء تتطلب أن يكون هناك مراقبة للمخزون، وتحديد لحظة طلب معينة».
حديث الدهن يعني ان تحديد الطلبات من قبل المشافي الحكومية أو وزارة الصحة عموماً، لايعتمد على دراسة الموجود في المستودعات، واستشراف اقتراب فقدان صنف معين، او أنه لاتتم دراسة المدة التي يمكن ان تستغرقها عملية الاستجرار بشكل صحيح قبل طلب الاستيراد من «فارمكس».
حتى في حال الاعلان عن تلبية احتياجات طارئة، كانت الجهات الطالبة للدواء بحسب الدهني، تتأخر في تقديم طلباتها متجاوزةً تاريخ اعلان المناقصات، وهذا مايتطلب من وجهة نظره «استجابة سريعة للاعلان من الجهات التي تطلب الدواء».
تدخل ايجابي!
أردف الدهني «هناك ضوابط عمل حكومي للعمل خلال الازمات، فحتى نكون قادرين على شراء المادة التي نريد في الوقت الذي نريد، يجب أن تكون مخصصاتنا المالية بحوزتنا، حينها، يمكننا استطلاع سعر الصرف وسعر المنتج وعندما تكون الاسعار مناسبة، نقوم فوراً بشراء الادوية وتخزينها لطرحها عند حدوث اي اختناق لاحق، إلا أننا محكومين بمخصصات محددة مربوطة باحتياج دوائي عام يمكن التعبير عنه بأوقات محددة، وعندها نطلب قطع اجنبي طبقاً للواقع المطلوب».
عوداً على بدء
ربما تكون المشلكة الأساسية التي تعاني منها «فارمكس» المحسوبة على مؤسسات التدخل الايجابي في سورية، والتي لايلمس المواطن اليوم دوراً لها في ظل انتشار الادوية المهربة، بينما تبقى «النظامية» منقطعة عن القطاع الحكومي، اي ان قطاع الدواء الحكومي في ادوية السرطان خاصةً ليس منافساً على الاطلاق، وبالعكس، عجزه اليوم يعمل على انعاش السوق السوداء، ويجبر البعض للخروج من البلاد للعلاج.
و استطرد الدهن بالقول «في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، يعاد ترتيب أولويات الانفاق الحكومي لوضعها بموقعها الصحيح. نحن في مرحلة قيود عامة مفروضة على البلد. ليست قيوداً حكومية، لكن لايمكننا أن نأخذ المرونة الكاملة كما في واقع الرخاء المادي والراحة الأمنية». فهل مرضى السرطان فعلاً ليسوا ضمن أولويات الانفاق الحكومي؟.