مكبات عشوائية للنفايات في الريف و«نظامية» في دمشق..!

مكبات عشوائية للنفايات في الريف و«نظامية» في دمشق..!

حكاية مكبات القمامة في دمشق وريفها ومخاطرها ليست جديدة، سواء كان بيئية أو صحية مباشرة أو من الناحية الحضارية. مكب باب شرقي، الذي وصفه مصدر رسمي مختص بأنه «غير نظامي»، كان أيضاً مبعثاً للروائح «النتنة» وخاصة في فصل الصيف، حيث كان من المقرر نقله من مكانه إلى التضامن، وهو مالم يحدث نتيجة «سخونة الأحداث» جنوب دمشق.

شماعة الأزمة لم تكن بعيدة عن مبررات الجهات الرسمية، حيث تركز دائماً على خسارة عدد لا بأس به من مكبات النفايات في الريف الساخن، إلا أن قلة الحيلة والتدبير والاهتمام، جعلت من كل بلدية تبتكر مكباً عشوائياً وسيطاً، تجمع به القمامة ريثما يتم ترحيلها إلى المكب النهائي والوحيد في الريف وهو «الغزلانية».


جرمانا وأكوام «القمامة»

وعن شكاوى تراكم النفايات في جرمانا، والتي شاهدتها «قاسيون» خلال جولة قامت بها قرب مؤسسة الكهرباء، قال رئيس دائرة النظافة والنفايات الصلبة بريف دمشق نضال العوابدة، بأن «ذلك عبارة عن تأخير بالترحيل فقط»، مؤكداً أن هذا التأخير «لا يستمر لأكثر من يوم نتيجة قدم الآليات والضغط السكاني، وعدم التقيد بمواعيد رمي القمامة». لكن السكان أكدوا أن مشهد القمامة المكدسة، والتي تنتشر على مساحة كبيرة من الأمتار في جرمانا، ما زالت موجودة منذ أكثر من أسبوع، وأن القضية باتت تثير الرعب لانتشار الحشرات والقوارض والكلاب، وأن الخوف بدأ يزداد من انتشار الأوبئة.
منطقة أشرفية صحنايا تعاني المشكلة ذاتها، ففيها أيضاً مكب للنفايات يشتكي أهالي المنطقة منه، وعن هذا المكب بين موريس حداد مدير مكتب النفايات الصلبة بدمشق في حديث إذاعي أن «بلدية الأشرفية بدأت برمي النفايات في مكب عشوائي، لكننا أخذنا الآليات لهناك لبدء العمل فيها، بعد أن تم الحرق فيه بشكل غير آمن، وخلال 15 يوماً سيختلف الوضع فيه، ويلحظ المواطنون الفرق، خاصة بعد تشغيل مكب الكسوة قريباً، بينما أكدنا على بلدية أشرفية صحنايا لعدم رمي النفايات إلا في مكب الغزلانية حالياً»، الأمر الذي يشكك به مواطنون حسب تجربتهم المرّة، مع الوعود الرسمية!


6 آلاف طن نفايات يومياً

عدة أمور ساهمت بتردي وضع النظافة في سورية بشكل عام، أهمها بحسب المصدر «خروج بعض المكبات عن الخدمة وسرقة معداتها، وتوقف مشاريع مكبات أخرى، عدا عن زيادة كميات النفايات في دمشق وريفها إلى 6 آلاف طن يومياً تقريباً، بعد أن كانت حوالي 4400 طن يومياً قبل الأزمة، وفي دمشق وحدها من 2000 إلى 3000 طن».


مكبات متوقفة ونقص بالمعدات

وهناك أسباب أخرى، شرحها مدير معالجة النفايات الصلبة بدمشق وريفها في وزارة الإدارة المحلية موريس حداد، عبر حديث إذاعي بأنه «تم تنفيذ عشر محطات نفايات منها الكسوة وحران العواميد ودوما وحفير وصيدنايا لكنها لم تعمل، أما التي كانت جاهزة قبل الأزمة، فقد تعرضت لسرقة المحتويات من قبل المسلحين، وحالياً يتم الطمر بالغزلانية بشكل آمن ويومي، إضافة لمكب رخلة، فضلاً عن اعتماد مقلب مؤقت بوادي السفيرة في قلب دمشق»!.
وأضاف «هناك نقص بعدد الآليات في الريف والمدينة، ونعاني من نقص قطع التبديل لإصلاح الآليات وخاصة في ظل العقوبات، وارتفاع أسعارها إضافة لصعوبة تأمين كادر عمال الصيانة».


«تقصير» حكومي

لكن حداد أكد وجود مكبات عشوائية «وسيطة» في ريف دمشق، ونفى وجودها في دمشق، ولعل انتشارها في الريف عائد إلى الأسباب التي شرحها سابقاً، وقال إن «المكبات الوسيطة في ريف دمشق هي عشوائية، تختار مكانها البلدية وترمي فيه النفايات بدون أن يتم تغطيتها».
وزارة الإدارة المحلية اعترفت أن تلك المكبات العشوائية، والتي يعاني منها السكان كونها مبعثاً للورائح «النتنة»، وانتشار الحشرات والقوارض الضارة، طالها «بعض التقصير والمتابعة بسبب الوضع الأمني» على حد تعبير حداد، الذي فضل التروي بتجهيز مكبات نظامية، وخاصة بعد حصول حالات سرقة لبعض الآليات، وقنص العاملين في مكب الغزلانية، فذلك «يتطلب سيولة مادية، ونخشى من عدم أمان المنطقة كلياً».


 عشرات المكبات العشوائية بقرار من «البلديات»

وبالعودة إلى مشكلة مكب جرمانا فقد أكد حداد بأن ريف دمشق، يشهد انتشاراً لمكبات عشوائية وقد يكون المكب المذكور في جرمانا أحدها، إلا أن عوابدة نفى أن يكون هناك مكبات عشوائية داخل جرمانا، واصفاً إياها بـ«نقاط لا توجد فيها حاويات، وقد تتجمع فيها النفايات ليوم واحد لا أكثر، حيث ترحل النفايات مباشرة للغزلانية، وعند إغلاق الطريق نتحول لمكب باب شرقي بشكل مؤقت».
هذا ولم ينف عوابدة حديث حداد جملة وتفصيلاً بخصوص المكبات العشوائية، مشدداً فقط على جرمانا، وتابع قوله «كان هناك 180 مكباً عشوائياً في 2008-2009، بدأنا بتقليصها ووصولنا لـ38 مكباً عشوائياً، لكن بسبب الأزمة ازداد عددها»، مؤكداً أنه «ممنوع حرق القمامة لكن وجود حاوية قمامة مشتعلة لأسباب غير مقصودة ممكن أن يحدث»!.
عوابدة عزا أي تأخير أو تقصير بخصوص النظافة، إلى نقص في الكوادر والمعدات، مشيراً إلى أن محافظة الريف طلبت من الوزارة حل القضية دون جدوى، وقال إن «ريف دمشق بحاجة إلى182 ضاغطة وعشر قلابات وثلاث تركسات، بينما في جرمانا لو كانت الآليات حديثة وبحالة فنية جيدة لما كان هناك أي تأخير، فلدينا هناك 3 آليات معطلة، من أصل 23 آلية مختلفة».
مصدر في وزارة الإدارة المحلية، أكد لـ«قاسيون» أن «محطة باب شرقي ليست نظامية وكان يفترض نقلها للحجر الأسود والسبينة، التي كانت مخصصة لاحتواء نفيات دمشق والريف الجنوبي، لكن بدء الأزمة واعتراض الأهالي في المنطقة أخر العمل بها»، مشيراً إلى أن «المعاناة من ذلك المكب قد تستمر بعض الشيء حتى تحل كل تلك العقبات».


قصة وادي سفيرة وسط دمشق

أما حول مكب وادي سفيرة في وسط دمشق في ركن الدين ، الذي كان مكباً للأنقاض، تحول خلال الأزمة إلى مكب لطمر النفايات، وهو في الأصل مكب غير صحي وغير مطابق للمواصفات العالمية من حيث المكان وطريقة تصريف النفايات، حيث تحول إلى مكب للنفايات منذ إغلاق طريق المطار باتجاه الغزلانية منذ عامين، ورغم عودة عمل طريق المطار، إلا أن وزارة الإدارة المحلية ما زالت تعتمد على المكب وسط دمشق بغض النظر عن الشكاوى، وكانت حجتها أن «الطريق آمن إلى الغزلانية باستثناء الليل، فقد تتعرض السيارات للقنص، مع العلم أن 70-75% من النفايات ترحل للغزلانية، و20% لوادي السفيرة»، وفقاً لحداد.


نقص في عمال النظافة بدمشق

وفي جولة «قاسيون» على منطقة ركن الدين، لاحظنا عدم وجود حاويات في الأزقة كافة، وتراكم القمامة بشكل ملفت في بعض الأحياء، ويرى السكان هناك أنه لو التزمت بلدية ركن الدين بالثلاث ورديات لما حدث مايحدث اليوم، مؤكدين أن «سيارات البلدية لا تصعد إلى المنطقة إلا مرة واحدة في اليوم، وأحياناً لا تصعد».
وأكد مدير النظافة في محافظة دمشق عماد علي وجود نقص في كوادر عمال النظافة في دمشق، قائلاً إن «أسطول المدينة تم تجديده ورفد المديرية بـ74 ضاغطة، لكن هناك نقص بالعمال، حيث لدينا 3 آلاف عامل، بينما الحاجة أكثر من 5 آلاف عامل».

 

النفايات الطبية  تهدد ريف دمشق

النفايات الطبية كانت لها قضية منفصلة، ورغم خطورتها على الصحة، ووجوب التعامل معها بعناية فائقة تجنباً لانتشار الأمراض المعدية، فوضع النفايات في ريف دمشق يشمل مخاطر كبرى، حيث أكد عوابدة، أنه يتم وضع النفايات الطبية بحاويات عادية ونقلها عبر سيارات القمامة العادية، علماً أن هذه النفايات تحتاج لسيارات محكمة الإغلاق ومعقمة. وقال عوابدة «لا يوجد لدينا آليات وحاويات للنفايات الطبية والصناعية، لذلك البلديات تستعين بآليات النفايات العامة لنقل نفاياتها الطبية والصناعية عبر نقلة خاصة إلى مكب الغزلانية، ليتم معالجتها قبل الطمر، كما لا توجد حاويات طبية، لذلك يتم استخدام حاويات عادية وأكياس مخصصة لفرزها».
معاون مدير الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة هاني اللحام حذر من عدم معاملة النفايات الطبية معاملة خاصة وحذرة، وقال إنه «من المفروض أن يرتدي عمال النظافة ملابس تقيهم من العدوى المحتملة عبر النفايات الطبية، وأن تكون السيارة محكمة الإغلاق حتى لا تتناثر القمامة منها، وبالتالي احتمالية ملامستها للمواطنين، ويجب في حال حرقها التأكد من عدم انتشار الدخان».