(العيدية)... رشوة مضاعفة تحت مسميات محلية الصنع
العيدية بالضبط هي اختراع سوري محض وبامتياز، ولن تجده في بلد آخر بهذا النهم والتوافق، والغريب أننا كمواطنين ندفع هذا الإتاوة عن طيب خاطر، بل وأن آخرين يحثون من لا يقبلون بها على دفعها من أجل تسيير أمورهم وتيسيرها، وهي سائدة لدرجة أنها اصبحت عرفاً يتعامل به الجميع، ومن يعتبرها ابتزازاً يبدو كمن خرج من ملته
عيدية الوظيفة
الرشوة الحلال التي يعتبرها الموظفون، والتي تكرست لتكون حقاً مكتسباً فوق الفساد المستشري، الذي لا يمرر من خلاله أية معاملة - وإن كانت نظامية- دون أن تكرم الموظف الذي يجلس فوق كرسيه طالباً حقه في الفارق الذي لا تعطيه إياه الدولة... فيبدأ بموشحه المحفوظ عن الرواتب التي لا تكفي لأسبوع، والغلاء الذي يكسر الظهر، وطلبات الأسرة الكبيرة، والمواصلات التي تشكل 50% من راتبه ليصل إلى وظيفته، وكل هذا سيعوض من جيب المواطن القادم من الفضاء.
الموظف المسؤول عن استكمال معاملتك للحصول على راتبك التأميني في التأمينات يطلب فقط 500 ليرة سورية لكي يحجز لك دورك في استلام تعويضك، الذي يجب أن تحصل عليه فوراً بعد استكمال أوراقك، وإلا انتظر لعشرة أيام هكذا تقول لك موظفة الحاسب بالاتفاق مع مديرها، وأما الـ 500 الزرقاء فتسير بك إلى الصندوق.
عيدية النقل
أجرة السرفيس التي تؤخذ عن غير وجه حق من المواطن، والذي يتحمل أيضاً مزاج السائق ونزقه، وتغيير طريقه، فوقها تأتي العيدية التي تعني أن لا يعيد إليك السائق بقية الـ 100 ليرة وأجرته 75 ليرة على خط دمشق قطنا من جهة السومرية، وأما من جهة الصبورة فتصبح 125 ليرة سورية فالعيد غداً.
الطامة الكبرى في سائق التكسي الذي لن يعيد إليك من الـ 500 ليرة أي قرش في مشوار لا يتعدى 1 كم، والسبب العيدية بالإضافة إلى الشكوى من الزحام وغلاء البنزين فالتنكة كما يقول بـ 3000 ليرة وأنت يجب أن تدفع الفارق.
إذا فكرت في أن تتأخر ليلاً فعليك أن تدفع ارقاماً فلكية تبدأ من فئة الـ 1000 ليرة ولست وحدك، سيملأ السائق السيارة بركاب مثلك وقد يكرر في وضع راكب بجواره.
عيدية المقهى
كل عام وأنت بخير سيقولها لك عمال المقهى الذين ينتظرون هذا اليوم للترحيب والابتسام من أجل العيدية، وستدفع وأنت تضحك كما يقول العامة، وهذا من باب الكرم والتباهي، وهؤلاء تتحسن أخلاقهم في هذا اليوم، فعامل الصالة الذي تصرخ به عشر مرات من أجل كأس ماء بارد سيهرع إليك من أول خطوة لك في المقهى، ويعبر عن سروره لقدومك، ويبادرك: أهلاً بالأستاذ، وستكون صفة كل كمن يدخلون المقهى وليست ميزة لك... وأيضاً لن يعاد إليك أية بقية من المبلغ الذي تدفعه.
الموظفون... الجوالون
هؤلاء يجب أن تعاملهم كما كان يعامل (المسحر) في حاراتنا القديمة، فآخر يوم في رمضان هو يوم دفع مستحقات إيقاظك من نومك لعبادة الله، وهو سيقول لك كل عام وأنت بخير.
مفتش الكهرباء سيكون في حلة جديدة، سيرن جرس الباب بكل هدوء، ولن يطرق الباب بقبضته، وسينظر إليك أنت الذي سامحك بمخالفة استجرار غير مشروع، أو بسرقة خط إضافي تخلصاً من التقنين الطويل أي أنك (مركب خطين)، أو أخّر لك لصق بطاقة نزع العداد الخضراء لتخلفك عن سداد الفواتير... وستدفع بكل ما أوتيت من لطف عيدية صمته عن مخالفاتك المتكررة.
سيمر موظف التأمينات والمراقب الصحي وموظف التموين وحماية لمسهلك على المطاعم الشعبية والكازينوهات والدكاكين، ليأخذوا عيدية تواطئهم معك طيلة عام، وستدفع شاكراً لهم هذا الفضل الجليل.
أثمان مضاعفة
(راحت لبعد العيد) الكلمة الأشهر في هذا اليوم الفضيل، والمحببة لدى جمهور الموظفين في القطاعات كافة، ولكي لا (تروح) لبعد العيد يجب أن تدفع ثمنها، وهي الورقة التي لم تستخلصها إلا قبل انتهاء الدوام الرسمي، وهذه ستكلفك عبارات الرجاء، والموظف سيزيد عناده لأن هذا العناد يزيد من ثمن خرق القانون واستخراج ورقتك المهمة... وهذه ستكون اللغة المسموعة في بعض مراكز النفوس والسجلات المدنية مثلاً، فإخراج القيد و بيان العائلة سيكون مكلفاً أضعاف ما هو عليه خصوصاً إن كنت قادماً من الريف أو من محافظة مشتعلة.
اختراع حصري جداً
تجري كل هذه الفوضى ويجري خرق القانون، من أجل مآرب شخصية، والغريب أن كل هذا يجري تحت سمع ومرأى المسؤولين عن سلوك هؤلاء الموظفين.
العيدية ليست مجرد عرف عادي من السهل تجاوزه عندما يصير قانوناً، فعبارة (اللي بيطلع من خاطرك) ولّى زمانها، وحل محلها عبارات مثل: (ما بتوفي معنا).. إن هذا الفساد الصغير ما كان له أن يتفشى ويمتد إلى كل تفاصيل حياتنا إلا تحت ظلال الفساد الكبير وتأثيراته المتعددة والمزمنة.