آلاف العائلات خارج الحسكة.. ماذا عن دور الجهات الرسمية؟
دون أدنى مقومات الحياة، وجدت العديد من الأسر السورية القاطنة في مدينة الحسكة نفسها مضطرة للنزوح عن المدينة إثر الهجمات التي شنها إرهابيو «داعش» عليها، لتتحول حدائق المدينة ملجأً لتلك العائلات. أما الحكومة: فلم تكن على مستوى نداءات الأهالي.
خلال الأسابيع الماضية، اشتدت وتيرة المعارك مع تنظيم «داعش»، لا سيما في حي غويران جنوبي الحسكة، ما أسفر عن تهجير المئات من العائلات في ظلِّ تصاعد متزايد في حدة العمليات العسكرية. وعلى غرار أسلوبه الممنهج لمحاولة دب الرعب في أوساط المدنيين، قام التنظيم بتفجير سيارات مفخخة مراراً وبشكل يومي تقريباً، كمقدمة للتسلل إلى المدينة، والسيطرة على بعض المواقع فيها.
وفي ظل قذائف الهاون، والاشتباكات الحية المتصاعدة، والقصف الجوي، انقسم سكان تلك المناطق بين من قرر النزوح خارج المدينة، وبين من لم يتمكن و فرض عليه افتراش أرضية الحدائق الموجودة في الأماكن الآمنة نسبياً في المدينة.
دور التهويل الإعلامي
على الرغم من اشتداد وتيرة المعارك في عددٍ من أحياء المدينة، غير أن التهويل الإعلامي الذي جرى ممارسته من أوساط «داعش» وصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، والتهديد بزيادة عدد التفجيرات الإرهابية، رفعا بشكلٍ كبير من أعداد الأسر النازحة عن المدينة، وإلى أحيائها الآمنة نسبياً.
ويمكن القول أن هذا التهويل قد نجح جزئياً في أداء دوره المطلوب، نتيجة ضعف أداء الإعلام الرسمي في تغطية الحدث, والتجربة المرة معه في هذا المجال.
14 ألف أسرة..!
تشير الإحصاءات غير الرسمية التي تداولتها وسائل الإعلام المحلية، إلى أن ما يزيد عن 14 ألف أسرة قد اضطرت خلال الأسابيع الماضية للنزوح عن مساكنها، يضافون إلى ما يقارب 100 ألف شخص مهجرين سابقاً، هذا العدد الضخم بالنسبة إلى المدينة، تقابله حالة الشح في مراكز الإيواء التي عمدت الجهات الرسمية إلى بناءها «مؤقتاً»، والتي لم تتجاوز 18 مركز، لا يصلح جميعها للإيواء جدياً. إذ أن أعداد هذه المراكز غير كافية لاستيعاب نصف أعداد الأسر النازحة، أما النصف الآخر، فيحشر حشراً في تلك المراكز في ظل غياب المواد الإغاثية، أو في ندرتها في أفضل الأحوال.
المواد الإغاثية و«الأجهزة المختصة»
وممن التقت معهم «قاسيون» سابقاً، يؤكد أحد المواطنين، الذي اضطر للنزوح مع عائلته المكونة من أربعة أطفال وأم إلى أحد مراكز الإيواء، أن «الكثير من المواد الإغاثية التي يقال أنها تصلنا في مراكز الإيواء، يجري نهبها بشكلٍ علني من قبل بعض عناصر الأجهزة الأمنية والتنظيمات المسلحة غير الرسمية. وطبعاً لا يستطيع أحد الاعتراض على ذلك، لأنه، وفي حالاتٍ مشابهة، جرى سحل أحد المواطنين لمجرد أنه رفض سرقة معوناته بعد يوم انتظار طويل».
وفي جانبٍ آخر، يؤكد المواطن ذاته، أن تلك العناصر باتت هي من «ينظِّم» عملية توزيع الحصص في المراكز، وعلى هذا الأساس فإن «المحسوبيات بدأت تنتشر بشكلٍ مقرف، إذ يترك الناس ليتشابكون حول حصصهم، فيما يقوم بعض العناصر بتقاضي الأموال لتسهيل حصول هذه الأسرة أو تلك على حقوقها في المعونة»، وغيرها من السلوكيات التي تتناقض مع ما قدمه الجيش العربي السوري، والمقاومة بتسمياتها المختلفة من تضحيات لمنع استباحة هذا التنظيم الإرهابي للمدينة.
نازحو الحدائق أسوأ حالاً
على الرغم من الحالة المأساوية التي يعيشها النازحون في مراكز الإيواء، غير أن حالهم لا يقارن بنظرائهم الذين اضطروا لافتراش الحدائق واللجوء إليها. «لا بطانيات ولا طعام وماء ولا أدوية ولا أي شيء يصلنا. يقولون على التلفزيون أنهم يقومون بواجبهم؟ ذلك كذب، منذ 14 يوماً لم تأتِ أية جهةٍ لتسألنا عما نحتاجه»، تؤكد السيدة م.س التي نزحت مع أطفالها الثلاثة إلى إحدى حدائق المدينة، وتضيف في حديثها إلى «قاسيون»: «حتى المياه لا تصل إلينا، يومياً أضطر إلى قطع مسافة طويلة لأجلب المياه للأطفال.. أطفالي صغار ولا أستطيع تركهم في الخيمة لوحدهم، منذ أسبوع هجم كلب شارد على الخيمة، وكاد يتأذى الأطفال لولا أني وصلت في اللحظات الأخيرة».
ومن الجدير بالذكر أنه وردت معلومات إلى «قاسيون» حول قيام الجانب الحكومي خلال اليومين الماضيين بافتتاح مراكز إيواء جديدة، واستيعاب أعداد أخرى من النازحين.
التعاون الشعبي يخفف وطأة الأزمة
بالرغم من وجعهم وسوء أحوالهم وعتبهم على الحكومة، لا ينسى أغلب من التقتهم «قاسيون» الإشارة إلى حالة التلاحم ووحدة الحال التي أبداها سكان المناطق الآمنة نسبياً إزاء وضعهم، إذ أن «اعتمادنا الأساسي في موضوع الطعام والشراب، وحتى اللباس، هو على ما يقدمه لنا سكان المنطقة بشكلٍ يومي. إننا هنا لا نرى جمعيات ولا مجموعات إغاثة ولا غيره، فقط أبناء المنطقة يمدون لنا يد العون»، يقول أبو مالك، المهجَّر من حي غويران هو وزوجته، ويعقب: «هؤلاء مثلنا، أحوالهم ضيقة، ولا يلامون إن كانوا لا يستطيعون أن يساعدونا في كل شيء. لكن العتب على المسؤولين الذين تركونا نعاني وحدنا، دون أي وازعٍ أو اهتمامٍ بحالنا».
إجراءات لا بد منها
من خلال تقاطع أراء المواطنين الذين التقتهم «قاسيون» خلال إعداد هذا التحقيق، واستقصائها حول تفاصيل المشهد العام في المدينة، فإنه يمكن إجمال القضايا التي من شأنها أن تخفف من حدة الأزمة على أهالي الحسكة بجملة نقاط:
أولاً: زيادة عدد مراكز الإيواء، إذ أن 18 مركزاً، ليس جميعها قابلاً للاستخدام، لا تكفي لإيواء نصف أعداد الأسر النازحة جديداً. ويجب أن يجري ذلك اعتماداً على المناطق الآمنة نسبياً والتي لا تزال تحت السيطرة الحكومية، بعيداً عن مناطق الاشتباك.
ثانياً: على الإعلام الرسمي أن يرتقي بمستوى الحدث، وينقل الصورة الحقيقية لمعاناة المدنيين في الحسكة، وذلك على أرضية تخفيف التهويل الذي تمارسه «داعش» والذي يساهم بزيادة وتيرة النزوح عن المدينة.
ثالثاً: توحيد الجهود الأهلية والرسمية، فتلك الأولى لوحدها غير كافية لتأمين متطلبات وحقوق الناس في الإيواء والإغاثة، وعليه، يتوجب على الحكومة متابعة هذين الملفين بشكلٍ جدي، درءاً لتفاقم الأمور.
رابعاً: تأمين حماية ممتلكات المواطنين، ووضع حد لعمليات السرقة التي حدثت في العديد من المناطق ومنها ما هي تحت سيطرة الدولة، وفي معظم الجبهات الساخنة في البلاد.
إن تطبيق هذه الإجراءات لا يعد مطلباً شعبياً من شأنه أن يخفف من انعكاسات الأزمة على المواطنين، بل إنه كفيلٌ بزيادة التلاحم بين الناس، وهو التلاحم الضروري لمواجهة «داعش»، التنظيم الذي أثبت فشله في حالات المواجهة الشعبية التي استندت على وحدة المواطنين في الإطارات المحلية.
100 ألف مدني نازح من الحسكة
14 ألف أسرة نزحت خلال الأسابيع الماضية
18 مركز إيواء في المدينة، ليس جميعها صالحاً للاستخدام