لن يكون مختلفاً عن سواه رمضان.. مَن يصبر على من؟

لن يكون مختلفاً عن سواه رمضان.. مَن يصبر على من؟

(اعتدنا هذه الحالة القاسية، وهذا الشهر بصعوبته لن يكون مختلفاَ... كل أيامنا رمضان، والغلاء الذي شهدته السنوات الصعبة كان كافياً لكي يحولنا إلى مواطنين ضد الصدمات)، بهذه الكلمات رد مواطن عن سؤالي له عن استعداده لقدوم شهر رمضان المبارك، فالمواطن وصل به المر إلى أن تتشابه أيامه وشهوره غلاءً واحتكاراً... ولم يعد يصدمه أي نبأ، ربما يفاجئه هبوط الأسعار وتوفر السلع، وتنتابه هستيريا إذا استفاق صباحاً على صوت بائع الخضار ينادي (كيلو البندورة بـ 15 ليرة) أيام كانت سحارة البندورة تساوي 75 ليرة سورية في عزها.

لن تنجح الحكومة في خفض أية سلعة في هذا الشهر، والمطلوب منها هو المحافظة على سعر اليوم... هكذا يرى قاسم دور الحكومة في شهر رمضان، وأن امتحانها الصعب وتحديها الحقيقي هو تمكنها من لجم فورة الأسعار في هذا الشهر نظراً لحاجات المواطن الملحة فيه فالصائم يحتاج إلى غذاء مختلف، وأما المواطن فسيعينه إيمانه وصبره على تحمل الغلاء لشهر آخر، وهذه النتائج معروفة سلفاً.
أبو أحمد (بائع): الحكومة ووزير التموين على وجه الخصوص لن يستطيع إلزام التجار بتخفيض الأسعار فالخطابات وحدها لا تكفي، والواقع هو الذي يفرض السعر، وهناك صعوبات كثيرة في تأمين البضائع ونقلها، وهذه مدفوعة من الجيوب وليس من القرارات النظرية.
أم ابراهيم بائعة (ثوم) وخضار: قفز سعر كيلو الثوم خلال 15 يوماً من 220 ليرة سورية إلى 800 ليرة، وسيزيد سعره في الأيام  القادمة، وهذا الشهر شهر( المونة) ولن يتمكن المواطن من تموين كغ واحد هذه السنة إذا استمر هذا الارتفاع.
أمنيات قاسم تبدو هي الحقيقة الوحيدة، ويتوقع آخرون فشل وزارة التجارة الداخلية في تجاوز شعاراتها، وتحويلها إلى أفعال، وضبط السوق واستقراره، وأن المواطن هو الذي صمد واستطاع أن يتوازن مع المطلوب منه دائماً...الصبر وفقط الصبر.

أسعار الفروج.. تطير

بحسب صحيفة محلية (كشف عضو جمعية حماية المستهلك بدمشق ورئيس جمعية اللحوم سابقاً محمد بسام درويش أن أسعار مادة الفروج شهدت خلال الأيام الأخيرة ارتفاعاً يقدر بنحو 100 ليرة لكل 1 كغ، في حين استقرت أسعار اللحوم الأخرى على مدار الشهرين الماضيين)... وهذا يعني أن السوق ما تزال تحت سيطرة تذبذبات لا تستطيع الحكومة التدخل فيها، لعدم امتلاكها القدرة، واكتفائها بالمراقبة عن بعد لما يجري، والاستئناس بالدراسات والمقالات والتحليلات الوهمية، التي يقدمها أساتذة جاهزون لقبض ثمنها دون أن يقدموا أي اقتراح لتبديل الحال بأحسن.
100 ليرة سورية في أيام قليلة ليست رقماً سهلاً على من لا يزيد دخله مقدار قرش في السنة، فالموظف لم يعد يحلم بزيادة راتبه بل في أن يصمد راتبه كقدرة على الشراء، وأن يستطيع أن يؤمن به ما كان بإمكانه قبل الأزمة، وهو الآن لا يشتري على مدار الشهر، العصائر والتمور التي يفتتح به إفطاره بعد صوم 16 ساعة في يوم حار وطويل.
محمد (موظف): الفروج بالنسبة لي ولعائلتي صار مجرد طائر موزع على أعضاء نتناولها بالتدريج على مدار الشهر، فالأفخاذ وجبة رائعة تليها الأجنحة فالصدر، وأغلب جيراني وزملائي باتوا يتقنون شراءه على دفعات، فلا نشتري فروجاً كاملاً إلا نادراً، وهكذا نحافظ على نكهته بأفواه أبنائنا.
خالد (بائع فروج): الأسعار غير ثابتة، ونادراً ما تنخفض، ولا نغامر بشراء كميات كبيرة فالسوق ينقلب فجأة، والمواطن يشتري كميات قليلة، و بالأجزاء وحسب إمكانياته، وهناك أجزاء من الفروج لم نكن نبيعها، وكنا نعطيها لمربي الكلاب والقطط (قوانص- رؤوس) صارت تباع بأسعار جيدة، و(السوده) وصل سعر الكيلو إلى 800 ليرة سورية.


سيناريو.. مكرر

يتحدث مسؤول الجمعية عن استقرار قادم لأسعار اللحم البلدي، بسبب زيادة العرض من قبل المربين، الذين لم يعد هناك من مبرر لاحتفاظهم بمواشيهم المعدة للسوق وخاصة أن فصل الربيع الذي كان يؤمن مصدر تغذية مجانية للأغنام انتهى... ولكن هل يستطيع المواطن شراء اللحم البلدي بسعر 2800-3200 ليرة للكغ، فيما لم يستطع هذا المسؤول أن يتحدث عن هبوط للأسعار بل عن استقرار لها.
الذي لا يريده المواطن هو تكرار سيناريو الازدحام على أفران الخبز، وتوفر التمور الرخيصة الصالحة، وقليل من (عرق سوس) ومياه نظيفة تصل إلى صنبوره دون خوف من جائحة أو مرض، فالصيف أعلن عن ذروته في الأيام الماضية.
ما يريده المواطن، أن يتمكن من إعداد وجبة إفطار وسحور دون أن يفكر بعواقب ارتفاع سعر البيض واللبنة والجبنة والمريبات في أول الشهر الكريم، وأن تبقى أسعار البندورة على حالها بـ 50 ليرة سورية، وكذلك الخيار والكوسا، والبطاطا تصبح واقعاً لا أن تصير كابوساً على حين غرة.

ما يريده المواطن حكومة تفعل ولا تتحدث، بالرغم من كل الصعوبات، ووزارة تجارة داخلية حاضرة وتعمل بصمت، دون تصريحات كبيرة ومبالغ فيها.
يضحك السوريون من المشاهد المكررة في حياتهم، فيصفونها مبتسمين (هي الحلقة شايفها)..سيقول أحدهم عن هذ المادة: أنه قرأها ذات يوم بالعنوان نفسه وكاتبها نفسه... أنا أيضاً سأقول العبارة نفسها.
رمضان كريم لكل السوريين.