تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
أين بابا..؟ سؤال اليتيم السوري... ولا جواب

أين بابا..؟ سؤال اليتيم السوري... ولا جواب

تغيرت صور مداخل عدد كبير من القرى والمدن السورية. لم تعد عبارات الترحيب تعلق على مداخل الكثير منها. إذ حل محلها صور لشباب سقطوا في الحرب الدائرة على الأرض السورية، بعدما اكتسحت منازل مدنهم وقلوب أصحابها بالسواد.

 

عدد كبير من النساء السوريات تحولن إلى أرامل، عليهن الإجابة في كل ليلة عن سؤال أطفالهن «أين بابا؟»، و«متى سيعود؟؟»، «أريد أن أسمع صوته؟؟».. «بابا بالجنة؟!». فوق ذلك، عليهن الصمود في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وعليهن تجنب النظرات القاتلة والهمسات السامة فهن بتن «أرامل».

لن يعود..

لا تمل نسمة، ذات العشر سنوات، من مشاهدة آخر فيلم صور للعائلة في مزرعتهم، حيث يظهر والدها بشكل واضح في معظم اللقطات. تقول منى، والدة نسمة: «ترفض ابنتي التصديق بأن والدها توفي ولن يرجع إلى المنزل، فتجلس كل يوم أمام البيت على أمل أن يعود عند الغياب.
لكنها في النهاية تستسلم، وتدخل لتنام ودموعها على خدها»، وتضيف في حديثٍ لـ«قاسيون»: «زوجي كان المعيل الوحيد للعائلة، حيث كنا نملك محلاً لبيع الملابس، لكننا نزحنا من منزلنا واحترق المحل وتوفي زوجي.. من أكثر الأمور إيلاماً هو فقداني لزوجي، لكن الأمر الذي زاد الوضع سوءاً هو إصرار أهل زوجي على تزويجي من شقيق زوجي الذي يصغرني بسنة، وأعده بمثابة أخ لي.
وذلك بحجة السترة علي وعلى بناتي الثلاثة.. أنا قادرة على العمل ببيع الملابس، ولا أريد أن أتزوج مرة ثانية. كنت أحب زوجي كثيراً ولا أرغب بوجود رجل ثاني في حياتي.
ما أعرفه هو أن السترة تكون بقدرتي على العيش مع بناتي دون حاجتي إلى أحد».


العيش بالصدمة

تقيم رشا حالياً مع أهلها في أحد أحياء دمشق: «اعترض الجميع على فكرة زواجنا، نظراً للأوضاع الأمنية التي تعيشها البلاد، لكنني وزوجي أصرينا على عقد قراننا، حيث كنا مخطوبين لمدة تفوق السنة والستة أشهر. وبعد زواجنا بشهرين، طُلب زوجي لخدمة العلم، والتحق بقطعته العسكرية، ليستشهد بعد ذلك أثناء الخدمة». وتقول لـ«قاسيون»: «أعيش في منزل أهلي ريثما أضع مولودي. لم يعلم زوجي بحملي إلا يوم استشهاده، حيث تأكدت من موضوع الحمل. ما زلت احتفظ بتفاصيل أخر مكالمة قمت بها، كانت قبل استشهاده بيوم.. أتحدث إلى جنيني عن والده، واسمعه صوت والده المسجل على الهاتف، حتى أنني اتصل برقمه ربما يرد هو علي.. تلومني والدتي على تصرفاتي هذه وتحاول ألا تتركني وحيدة، فهي تخاف علي من تصرفاتي»، وتضيف: «إذا كان مولودي ذكر سوف اسميه على اسم والده، وإذا كانت بنت سأسميها شام كما كان يرغب بذلك.. والدتي ترفض فكرة أن هذا الولد سيربيه أهله، فنحن عائلة متوسطة الحال ولن نستطيع أن نربي طفلاً. كما أنني لا أزال صغيرة بزعمهم على تحمل مسؤولية طفل فأنا لم أبلغ العشرين من عمري بعد». تقول رشا أنها ستكمل تعليمها وتعمل، وعندما تهدأ الأوضاع ستستأجر منزلاً وتعيش مع ابنها كي لا تكون عالةً على أحد.


ابنة شهيد وزوجة شهيد

علقت لبنى صورة جديدة على جدار المنزل، ووضعت عليها شريطة سوداء إلى جانب صورة والدها الذي استشهد أثناء العدوان الصهيوني على لبنان عام 1982، كان عمرها عند استشهاد والدها ستة أشهر وعمر أخيها سنتين. واليوم استشهد زوجها وطفلها لم يكمل الأربعة أشهر بعد. لم يكن والده حاضراً عند ولادته ولم يره سوى مرة واحدة عندما كان عمره أسابيع، وبعد ذلك صارت ترسل له الصور عبر الجوال. تقول لبنى: «كان من المفترض أن ينزل زوجي بإجازة في اليوم الذي استشهد فيه». أما والدتها فتؤكد: «لم أتخيل يوماً أن تلاقي ابنتي المصير نفسه الذي عشته أنا. استشهد زوجي و أنا بعمر لبنى تقريباً. وكان خياري أن أعيش وأربي أبنائي و لم يشجعني أحد على الزواج مرة ثانية. حتى التفكير بهذه الأمر كان معيباً في ذلك الوقت. حيث تمنيت في ليال كثيرة وجود رجل إلى جانبي. واليوم لا تدرك لبنى صعوبة الحياة وأن تعيش سيدة فقط لأبنائها. صحيح أن العيش من أجل الأبناء فكرة نبيلة، لكن الحياة تطلب وجود شخص أخر إلى جانب المرأة». ترفض لبنى فكرة الزواج مرة ثانية، فهي مصممة على تربية ابنها وتعليمه.


مشاريع صغيرة.. وغياب رسمي

سوزان. ع، مرشدة اجتماعية، تقول في لقاءٍ مع «قاسيون»: «هناك عدد من المشاريع تعمل على تنمية مهارات بسيطة لدى السيدات، ونقيم دورات مثل التمريض والحلاقة النسائية والخياطة.. هذه المحاولات لا ترقى إلى المستوى المطلوب كي تتمكن النساء من إعالة أنفسهن وعائلتهن. ومن المفروض أن نشهد تعاوناً بين عدد من الوزارات مثل وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة العمل والنقابات لنطرح مشاريع وقوانين جديدة كي تبعد شبح العوز عن النساء».
أما ماجدة.خ، سيدة تبلغ الخامسة والثلاثين من عمرها فقد ترملت قبل عامين. تقول: «زوجي كان المعيل الوحيد لنا، لم يكن راتبه التقاعدي يغطي مصاريف العائلة لذلك رحت أبحث عن عمل. أحمل شهادة اختصاص جغرافيا، لذلك فإن إيجاد عمل كان أمراً صعباً، وتعرضت خلال عملية البحث للتحرش وعرض علي مال مقابل غايات دنيئة، فكان يتوجب عليً أن أتمكن من الصمود في وسط يعتبر الأرملة صيداً سهلاً، فيما ينظر البعض إلى كل عمل تقوم به الأرملة على أنه محاولة للغواية، وعليها البقاء في منزلها وانتظار الإحسان من حولها».
«لكني في نهاية البحث وجدت جمعية تقدم قروضاً بسيطة عبارة عن عشرين ألف ليرة ومواد بسيطة للبدء بالعمل، فجمعت عدداً من النساء اللواتي يتشابهن معي بالأحوال الاجتماعية والمالية، وقمنا بعمل ورشة خياطة تتألف من ثلاث ماكينات وصرنا نقوم بأعمال بسيطة، كالحبكة وغيرها، وتتناوب على العمل سبع نساء يعملن على شكل ورديات»، تضيف ماجدة.


«قويات من الخارج..»

أحمد رجب، مرشد نفسي. يقول في حديث أجرته «قاسيون» معه: «تعمل عدد من النسوة على تأخير الحزن، والعمل على التعايش مع الواقع، وذلك نتيجة ظروف الحرب القاسية التي تفرض عليهن العمل بسرعة للانتقال من وضع إلى آخر. مما يخلف امرأة منهارة من الداخل، قوية من الخارج. تتغاضى عن احتياجاتها الجسدية والنفسية، من أجل البقاء صامدة ضمن مجتمع ينظر إليها على أنها ضلع قاصر، وأنها عورة.. نحن بحاجة إلى تغيير مفاهيم كاملة كي تتمكن المرأة من تجاوز محنة الحرب ومحنة الفقد، لأن هؤلاء النسوة هن من سيصنعن مستقبل سورية».