من الذاكرة: من الأمس إلى اليوم

لشهر أيار مناسباته الهامة التي لا تنسى, وفي طليعتها فاتحته، عيد العمال العالمي الذي ترفع فيه الطبقة العاملة في العالم أجمع راياتها.. رايات الحرية والديمقراطية.. رايات التحرر من الاستغلال والاستثمار..

رايات العدالة الاجتماعية والاشتراكية. وفيه يعود عمال بلادي بذاكرتهم إلى تلك الأيام، حين كان الاحتفال به يعتبر جريمة يتعرض بسببها العمال للاعتقال والملاحقات والتسريح والطرد, حين كانت مظاهر العيد تقتصر في دمشق على إشعال النيران على جبل قاسيون, ورفع راية العمال على الأعمدة وخطوط الكهرباء, أو إجراء الاحتفال وسط بستان من بساتين دمشق أو غوطتها, أو في بيت متواضع في حي فقير من أحياء دمشق الشعبية, وكان الحضور يقتصر على الرفاق وعدد صغير من العمال ويترافق كل ذلك بتوزيع سري للمنشورات أو البيانات التي تحض العمال على النضال من أجل حقوقهم المشروعة في تحسين مستوى معيشتهم وشروط عملهم, ثم كانت المظاهرات «الطيارة» في الساحات والشوارع والأسواق المزدحمة بالناس. وكان الحديث في تلك الاحتفالات يبدأ بشرح مناسبة العيد ونضال العمال, ولاسيما مظاهرة عمال شيكاغو الذين سقط بعضهم صرعى برصاص غادر, كما سيق عدد من قادتهم إلى محكمة صورية أصدرت أحكاماً جائرة بإعدام ثمانية منهم, وقد نفذ الحكم بأربعة من القادة النقابيين الذين أبدوا صموداً بطولياً أثناء المحاكمة وأثناء تنفيذ حكم الإعدام, وهم الشهداء: البرت بارسونسن وافغوست شيبس وجورج اينيغييل وأدولف فيشر.
واليوم يعيدني شريط الذكريات إلى الكثير من الاحتفالات والمظاهرات التي قام بها الحزب الشيوعي السوري وساهم فيها في أعياد الأول من أيار, والتي لم أتخلف عن واحدة منها منذ أصبحت شيوعياً, وقد أسهمت في العديد منها بإلقاء قصائد تمجد نضال الطبقة العاملة وتضحياتها الغالية, ومن أحب تلك القصائد إلى قلبي قصيدة بعنوان «وحدهم صمدوا» قلت فيها:
«أشرق بشمسك يا أيار منسكباً
حق لمن فجروا الينبوع أن يردوا
اسمع هدير الملايين الألى انطلقوا
في العالم الرحب: يا عماله اتحدوا»
ومن مناسبات شهر أيار أيضاً ميلاد كارل ماركس معلم الطبقة العاملة في الخامس منه عام 1818, وإعدام شهداء سورية ولبنان على يد جمال باشا السفاح 1916, والانتصار على الفاشية في 9 أيار. وفي 29 أيار 1945 العدوان الفرنسي على البرلمان السوري يوم استشهد حماته البواسل ومنهم الرفيق طيب شربك _وأذكر أنني مررت مع والدي بعد يومين من القصف وشاهدت آثار الدمار والقذائف والرصاص وأنا طفل في الثامنة من العمر_ وفي العشرين من أيار عام 1981 استشهد الرفيق عبد الرحمن هلال على يد عصابة الإخوان المسلمين مجسداً قول أمير الشعراء:
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودَيْنٌ مستحق