اللحم البلدي حلماً: حلال للتصدير.. وحرام على المواطن

اللحم البلدي حلماً: حلال للتصدير.. وحرام على المواطن

نسي أغلب السوريين طعم اللحم البلدي، وأطفالهم بالتأكيد لم يتعرفوا على هذه النكهة المميزة التي طالما كانت ذائقة سورية خالصة، وتحول السوريون إلى لحوم بديلة، لم تكن لتدخل مطابخهم لولا هذا الغلاء المرعب، الذي جعل من لحم الخروف البلدي حلماً يمكن أن يتحقق كل عدة أشهر، وربما أكثر من ذلك لدى من قبعوا بغير إرادتهم تحت خط الفقر وهم كثرُ.

الأوقية بـ 500 ليرة سورية وأحياناً ترتفع إلى 600 ليرة إذا أردتها هبرة كاملة، واللحام المبتسم دائماً، يحدث الناس عن أيام النعمة عندما كان يذبح خمسة ذبائح في اليوم، ونساء الحارة يأتين إليه كل بموعدها لتأخذ طلبها على هواها، من اللحمة بالصينية والكباب ورأس العصفور والناعمة...هذا حال القصاب أبو أحمد الذي بالكاد يبيع ذبيحة واحدة في اليوم.

يقول أبو أحمد: في تلك الأيام كان هناك فقراء، وكان هناك من يشتري بالأوقية ولكن هؤلاء قلائل، وفي الوقت نفسه كان هناك أولاد حلال من الميسورين يأخذون اللحم للعائلات الفقيرة.

اليوم كما يقول الرجل الخبير، أغلب الزبائن لا يشترون إلا بالأوقية، ومن يشترون بالكيلو يعدون على أصابع اليد الواحدة، و(يتنهد) رافعاً يديه إلى السماء: الحمد لله، والله يفرجها على البلاد والعباد.

غلاء ومبررات

الأسعار ترتفع بشكل دائم، ورغم موسم الولادات هذه الأيام إلا أن الأسعار لم تنخفض، بل حافظت على شهوة ارتفاعها، والأشهر الأخيرة قفزت بالكيلو غرام من 2200 ليرة إلى ما يقارب 3000 ليرة سورية، وهذا مرده حسب أحد أعضاء لجنة اللحامين: (ارتفعت بشدة أسعار لحم الغنم والعجل خلال الأيام الماضية، ويعود ذلك لعدة أسباب منها: ارتفاع أسعار الأعلاف نتيجة رفع الرسوم الجمركية المفروضة على استيرادها، وارتفاع سعر الدولار، وارتفاع أجور النقل بشكلٍ غير منطقي).

ويؤكد هذا العضو أن سعر اللحم الحي قفز من 525 ليرة سورية إلى حوالي 1000 ليرة وهو أي السعر لا يتوافق مع التكلفة، وهو ما فتح شهية التجار والمهربين للشراء بسعر مرتفع من المربي وتهريبه إلى لبنان وبيعه بأسعار مرتفعة جداً من أجل تحقيق أرباح طائلة على حساب المواطن السوري.

العجل بديل.. ولكن؟ 

سعر كيلوغرام لحم العجل 2000 ليرة سورية، وهو كالخاروف يعد لأنواع مختلفة من الوجبات، ونتيجة للفارق الكبير الذي كان بينه وبين لحم الخروف من حيث السعر، أدى ذلك إلى إقبال الفقراء ومتوسطي الدخل على اعتماده كغذاء رئيسي لأولادهم وعائلاتهم، وفي أغلب طبخاتهم وعلى موائدهم التي كانت تشكو من غياب لحم الخروف البلدي.

العضو في لجنة اللحامين يعزو سبب ارتفاع سعر لحم العجل إلى كون هذه الثروة البقرية كانت تتركز في  الغوطة وقرى ريف دمشق ودير الزور، وهذه الأماكن أصبحت غير آمنة مما أفقد السوق 90% من هذه اللحوم مما دفع بسعرها للارتفاع حيث وصل سعر كيلو شرحات العجل إلى 2200 ليرة سورية.

أحد لحامي العجل  وهم الأكثرية حالياً من بين بائعي اللحم يقول: في أغلبنا كنا لحامي خروف بلدي، ولكن انخفاض الطلب عليه بسبب الغلاء أدى إلى تحولنا لبيع لحم العجل الذي كان قبل الأزمة محدود الطلب والزبائن.

يضيف اللحام: يستطيع المواطن أن يشتري في الشهر ما بين 2-3 كيلو لحم، وعلى دفعات بالنصف كيلو، وبعض الناس يشترون بمبلغ محدد (500) ليرة مثلاً، إما لعدم توفر المال للشراء أو بسبب انقطاع الكهرباء الدائم، أي أنهم يشترون حاجتهم من اللحم لليوم نفسه.

أم ياسين ربة منزل: لحم الخروف لم يدخل بيتي منذ سنوات إلا في عيد الأضحى، أو من جار ميسور الحال، وأما اللحم الذي نشتريه فهو لحم العجل، وفقط مرة أو مرتين في الشهر، فحتى العجل غالي ولا نستطيع أن نشتريه لمرات عديدة، فالحال ما تعلم سيئة وبائسة.

أبو رامز معلم قديم يقول: أتقاضى راتباً تقاعدياً لا يتجاوز 23000 ليرة سورية، وأوضاعنا المالية من سيء إلى أسوأ، وقبل الحرب كنا مستورين، وكل شهر كنت أشتري 5 كيلو غرام وأضعها في (الفريزة)، وكنا نجتمع مع العائلة كل يوم جمعة، ونصنع أطيب الوجبات التي يدخل اللحم في طهوها، ولكنني الآن أشتري كيلو لحم واحد ونحن فقط ثلاثة أشخاص نعيش في المنزل، فما بالك بعائلة من 6 أو 9 أشخاص ماذا سيأكلون، وماذا يمكن لرب الأسرة أن يفعل؟.

لحم مغشوش

المواطنون لا يشكون أيضاً من الغلاء بل من اللحم المغشوش، حيث يقوم الباعة خصوصاً في أسواق المدينة التي يختلط فيها لحم الجاموس الهندي مع العجل البلدي، وبيعه بسعر العجل البلدي مع أن سعره أقل بحوالي 500 ليرة.

الحكومة تتصرف...وتصدر

بدل أن تساعد الحكومة مواطنيها في زيادة قدرتهم على تناول هذه اللحوم، التي تكوّن أجساد أبنائهم، وتقلل من الأمراض بسبب احتوائها على البروتين الضروري لبناء صحة سليمة، وذلك من خلال الدفع بآليات لخفض أسعاره، قررت الموافقة على تصدير الخروف البلدي...وذلك لأسباب تتعلق بالحاجة إلى القطع الأجنبي واستجابة لرغبات التجار؟!.

ربما تستطيع الحكومة أن تضع مبرراتها لهذه الخطوة، ولكنها بالتأكيد غير قادرة على تبرير تقصيرها في مكافحة الغلاء والغش، وعدم تقديم وجبة سورية من اللحم الطازج، ولو لمرة واحدة في الأسبوع على مائدة الفقير السوري.