صراع الحياة يرويه المواطن: استعانة بالله في مواجهة الغلاء والفقر

صراع الحياة يرويه المواطن: استعانة بالله في مواجهة الغلاء والفقر

ليست هواية محببة لي انتقاد الحكومة على تقصيرها بحق المواطن الذي أنهكته سنوات الحرب والحصار وعدم المبالاة، ولكن الأمر لا يعدو عن لفت نظر لا يجدي، ومحاولة لقول كلمة حق ربما لا تملك أي رصيد بعد هذا الاستشراء الكبير للفساد، وغياب الدور الرقابي خاصة لما يمس حياة المواطن ولقمة أبنائه التي تتغنى الحكومة في كل ساعة بالدفاع عنها وتأمينها، ولكن الحقيقة أن غلاة الفساد استحكموا ببطون الناس، فمستوى الغلاء الذي لا يرحم لم يعد هناك من يوقفه، وباتت اللقمة مغمسة ليس بالعرق كما يقول الناس بل بالدموع الذليلة؟.

من أجل هذا نستطلع في هذا العدد آراء الناس في مصائرهم وكيف يتدبرون أمورهم في ظل غلاء مستحكم، وأجور قليلة، ومتطلبات كبيرة فرضتها الأزمة وفرضتها السوق المتوحشة.

الإعانات... بألوانها

قد يستهجن البعض أن الإعانات هي من الداعمين للمواطن السوري، وليس المقصود هنا الإعانات الإنسانية فحسب، ولكنها تتضمن الإعانات المالية من الأقارب المغتربين في الخارج، وهي في الغالب تشكل أرقاماً جيدة بعد ارتفاع قيمة صرف العملات الصعبة أمام الليرة السورية بسبب الحصار وتدني  الموارد.

أبو أسامة، هرب من الحجر الأسود بعد سيطرة المسلحين عليه، وهو يعمل معلم ألمنيوم، ولكن المهنة تراجعت وعمره لم يعد يسمح له بممارسة المهنة، مما اضطره أن يعمل في محل لتصليح الدراجات، وهو يعيل أسرة من خمسة أبناء بينهم طالبان جامعيان: بصراحة أنا أحصل على إعانة كل شهرين من الهلال الأحمر، وهي عبارة عن حصة غذائية، وكيس طحين، وأحياناً نحصل على منظفات وعدة مطبخ.. نبيع جزءاً من هذه المعونة، ونعيش بما بقي منها بالإضافة إلى أجري الشهري بالمحل وهو 15000 ليرة سورية.

أبو اسامة لا يصرف على أبنائه الجامعيين، ولكن شقيقه المغترب يرسل لهم شهرياً مصروفهما بالقدر الذي يجعلهما قادرين على الاستمرار في حضور المحاضرات وشراء الكتب، وهذا ما يجعل من الرجل قادراً على الاستمرار بإعالة أولاده.

أم خالد، عاملة سابقة في المنشآت الرياضية بدمشق، استلمت تعويض نهاية الخدمة منذ ستة أشهر وصرفته على أولادها الأربعة، فهي أرملة منذ 10 سنوات، وهذا ما اضطرها للعمل، وتعيش الآن كما تقول على العمل بمسح وشطف أدراج الأبنية والبيوت، لدى بعض الميسورين، وبمساعدة مالية داخلية من ابن أختها الموظف بشركة خاصة فهو يرسل لها 5000 آلاف ليرة كل شهر.

التقشف...قسراً

الحد الأدنى من الحياة لا يميت، هكذا قال لي محمد، الموظف في دائرة حكومية بأجر شهري يقارب 16000 ليرة سورية، وهي لا تكفي كما يقول مواصلات ودخاناً، ولكنه يتدبر أمره في الصباح بالذهاب مع جاره الذي يمتلك سيارة، وفي نهاية الدوام يعود بالسرفيس، ويدخن أرخص أنواع التبغ، كلما ارتفع صنف هبط إلى الأرخص وهكذا.

محمد، يعيش في غرفة مع زوجته وطفله الوحيد في بيت أهله، وهي ما حمته من التسول لو كان يدفع إيجار منزل فراتبه بكامله لا يمكنه من استئجار غرفة في أطراف الريف، فكيف في العاصمة مركز عمله.

ياسر، بائع خضار متجول، يرى بأن التقشف في هذه الظروف هو حلّ مهم في مواجهة الغلاء، وهو كما يقول: لا يربح كثيراً من عمله وما يزيد من بضاعة وما لا يباع لعدم جودته يعود به للبيت، ويمكن أن يكون غذاء جيداً، وفي أيام العطل يأكل مع عائلته فول الإعانة الشهرية فعلبتا فول مع بعض اللبن والبقدونس والبندورة تصنع وجبة للجميع، أفضل من شراء الفول الجاهز بأسعار خرافية من المحال.

فارس، عامل نظافة يفضل أن يعيش بلا (موز)  فعلى رأيه تكلفة صحن (جظ مظ) تساوي أكثر من 600 ليرة سورية، إن كانت الوجبة معدة لأريع أشخاص، فهي مؤلفة من 2 كيلو بندورة  بـ 500 ليرة وأربع بيضات 100 ليرة، عدا عن البصل والسمن وإذا اشتهيت حبة فليفلة فالكيلو وصل سعره لـ 400 ليرة. 

أبو ضياء، لا يعمل حالياً فقد أنهكته المصالح الكثيرة التي عمل بها، ويكتفي حالياً باستثمار حوالي 100 متر أرض فارغة بجوار بيته العربي القديم، ويقوم بزراعتها حسب الموسم فالفول يموّن منه لرمضان القادم كما تقول أم ضياء، وما يجمعه كل ثلاثة أيام تصنع منه وجبة (فول مقلى) تطعم بها الشباب الخمسة مع أبيهم.

ولكي يفعل ما يجعله يصمد في الأشهر القادمة، اشترى خروفين بما لديه من مال جمعه من أبنائه الذين يعملون بالبناء بأجرة لا تتجاوز 700 ليرة يومياً، ويساعدون أخاهم لينهي معهده المتوسط.. أبو ضياء يقول: إن الخروفين الصغيرين سيصبحان كبشين في أشهر قليلة قادمة، والسنة سنة خير ولن يكلفاه الكثير لكنهما سيعودان عليه بربح جيد.

الاستعانة ..بالله

لا يصادفك أحد - وهذا من جبروت وقيم هذا الشعب- وتسأله عن وضعه إلا ويقول لك: الحمد لله، وإن أراد أن (يفضفض) تسمع منه الألم والوجع والمعاناة، وإن أراد أن يبقى كتوماً، يبادرك بدعواته (بعين الله، والله يفرجها على البلد) وهي دعوات صادقة، ولكنها أيضاً ستار يحمي من الطلب ومد اليد.

يستعين السوري على ألمه ووجعه بأشكال المعونة كلها، ويحتال لتدبير أمور عيشه ورزقه، ولكنه في النهاية يشير بسبابته ولسانه إلى أن مسؤولية جسيمة تقع على المسؤولين والحكومة، أصحاب الشأن في رعاية مصالحه مهما كانت الأسباب والأعذار.