قرار رسمي.. بإجلاء ورش السيارات و(حوش بلاس) دون ماء أو كهرباء أو صرف صحي!

قرار رسمي.. بإجلاء ورش السيارات و(حوش بلاس) دون ماء أو كهرباء أو صرف صحي!

بقرار صادم صدر بداية آذار، أخلت محافظة دمشق يوم 15 الشهر ذاته منطقة زقاق الجن ومنطقة الفحامة والبرامكة من عشرات أصحاب المهن المتعلقة بصيانة السيارات، وتركتهم يصارعون مصاعب الحياة دون مصدر للرزق، وخاصة في ظل الأوضاع المعيشية المتردية اقتصادياً، والتي يعاني منها أغلب الشعب السوري.

«لا نملك شيئاً في دمشق إلا رحمة الله وبيت آجار منذ 3 سنوات بمبلغ 35 ألف ليرة شهري، ولدي 5 أولاد 4 منهم في المدرسة وطفلة صغيرة، اليوم أنا غير قادر على إعالتهم، وذلك نتيجة لقرار رسمي من محافظة دمشق، والتي صادرت كل ما أملك من مستلزمات أعتاش بها عبر صيانة السيارات»، بهذه الكلمات عن مأساته عبر أبو عامر صاحب سيارة «صالون» في منطقة الفحامة، كان يستخدمها لصيانة السيارات في الشارع، بعد أن خسر كل ممتلكاته ومنها محله الخاص في منطقة ببيلا بريف دمشق.
القضية التي تراها محافظة دمشق بأنها تشكل حالة من الاستياء لدى بعض الجوار وسط المدينة، إضافة إلى أزمة مرورية نتيجة تجمع «الميكانيكية» في الشارع، كانت لها أبعاداً إنسانية كبيرة، فكل من هؤلاء لديه عائلة يعيلها في منزل مستأجر بعد نزوحهم، ويحتاج لمدخول يومي كبير ليسد بعض متطلبات الحياة.


وضع «معيب» بقرار رسمي

يقول أبو عامر «من المعيب أن أتكلم بهذا الموضوع، لكن ابنتي الصغيرة وبعد إصدار محافظة دمشق قراراً بترحيلنا إلى حوش بلاس وصادرت معداتنا، تتصل بي يومياً لتقول: بابا اذا اشتغلت اليوم جبلي أكلات طيبة وإن ما اشتغلت لا تجيب شي..، فبأي ذنب سيعاني أطفالي اليوم من أثر قرار صادم وغير مدروس من المحافظة والذي قطع رزقنا».وحاولت محافظة دمشق إيجاد حل لهؤلاء المتجمعين في البرامكة والفحامة وزقاق الجن، ومختلف الشوارع الرئيسية الهامة، عبر ترحيلهم قسراً إلى منطقة حوش بلاس البعيدة عن العاصمة دمشق، إلا أن المهنيين أكدوا بأن المحافظة قدمت لهم 4 أمتاراً بـ«الهواء» دون أي تجهيزات تذكر.
ويتابع أبو عامر «ذهبنا إلى حوش بلاس، بناء على قرار محافظة دمشق لإخلاء زقاق الجن، سجلنا  أسماءنا عبر أوراق ثبوتية مطلوبة، منها طابو المنزل في ببيلا ومايثبت امتلاكنا لمحلات تجارية في المنطقة المذكورة، وكنا نريد فعلاً تطبيق القرار، حتى جاءنا الرد الصادم بأن لكل فرد منا 4 أمتار على رصيف، أو في أرض غير مجهزة بشيء، لا مياه ولا كهرباء ولا جدران، وطلب منا الاستقرار والعمل بها، بعد أن نقوم بتجهيزها على نفقتنا الخاصة بإحضار شوادر وأعمدة بداية»؟.
وأردف «رغم ذلك، حاولنا التغلب على المصاعب وبقينا 3 أيام، وأنا شخصياً لم يأتني أي زبون، ولم أحصل على أي قطعة نقدية خلال هذه المدة، فالزبائن التي تقصد حوش بلاس، تقصد محلات بالاسم».
وطالب أبو عامر محافظة دمشق النظر بحالهم بعين الرأفة، قائلاً: منذ صدور القرار ونحن غير قادرين على العمل لا في المكان السابق ولا حوش بلاس، فما الحل؟.


4 أمتار في الهواء

الشكاوى تقاطعت مع جميع من التقتهم «قاسيون»، يقول أبو نضال ميكانيكي سيارات يعتمد على حقيبة، ويفرد ما فيها عند قدوم أي زبون: «أعطونا مكاناً على رصيف مجمع حوش بلاس بمساحة 4بـ 4 أمتار، لكنها في (الهواء)، لا يمكنني القيام بتصليح أي سيارة، ليس هناك جدار، ولامكان لوضع مستلزمات الصيانة، ولاحتى مكان لركن سيارة الزبون إن اضطررت لإبقائها يومان مثلاً».
وخلافاً لما صرحت به محافظة دمشق، عن إشغال محلات كثيرة لمنطقة حوش بلاس، قال أبو نضال إن «المحلات المفتوحة هناك لا تتجاوز نسبتها الـ10% من إجمالي المحلات التي أغلبها مغلق لعدم وجود زبائن»، مضيفاً «الذهاب إلى حوش بلاس يحتاج لساعتين ذهاباً وساعتين إياباً، وأنا لا أملك سيارة، وكل هذه الأمور تكاليف إضافية».


جاهزون لدفع ضريبة

وتابع «محافظة دمشق صادرت معدات التصليح الخاصة بي، وبعد القرار توقفت حالنا.. نريد البقاء في دمشق بمكان مناسب للجميع، وممكن أن ندفع ضريبة رمزية للمحافظة لقاء ذلك».
سابقاً، وتحديداً في شهر شباط الماضي، زارت «قاسيون» المناطق التي يتجمع بها أصحاب مهن اصلاح السيارات، وأكدوا أن المحافظة هددتهم بمصادرة معدات العمل إن لم يخلوا المكان خلال 24 ساعة، ومحافظة دمشق لم تنف إنذار بعض من هؤلاء، وأكدتأن هناك مهلة للشهر القادم أي الشهر الحالي (آذار)، حتى يعود المهنيون إلى حوش بلاس، وأكد مصدر في المحافظة حينها  لـ«قاسيون»، إن هذه الإنذارات هي لإجبار أصحاب المحلات بالعودة إلى حوش بلاس بعد «تأهيلها» وفقاً لادعاءات المحافظة التي نفاها الحرفيون.


محافظة دمشق، قالت سابقاً: إنه تم تأهيل ساحة بالقرب من حوش بلاس لجميع أصحاب بسطات تصليح السيارات فيها، بشكل أكثر تنظيماً من شوارع دمشق، بعد عدة ازعاجات رتبها المهنيون على الجوار والمحافظة وفقاً لحديثها، لكن الواقع هناك كان مختلفاً تماماً وفقاً لأصحاب المهن، الذين أكدوا بأن الساحة «قاحلة» لا يوجد فيها حتى جدران، وتم تقسيم أماكن العمل بالإشارة، أي أن المحافظة لم تؤهل شيئاً لهم.


(التأهيل على نفقة المهنيين!)

لم ينكر مصدر مطلع في محافظة دمشق الوضع «المأساوي» في حوش بلاس، وقال: إنه «على أصحاب المهن أنفسهم تنظيم الساحة المخصصة قرب حوش بلاس، ريثما يتم الانتهاء من تأهيل منطقة القدم» التي لم يحدد وقتاً معيناً للانتهاء منها! وهنا يترتب على أصحاب المهن تكاليف فوق طاقتهم لتأهيل ما لم تقم المحافظة بتأهيله، عدا عن عدم وجود زبائن تقصد تلك الساحة، بظل وجود محلات معروفة تقصد خصيصاً وبشكل قليل.

جمعية تشكيل المعادن تطالب المحافظة بالبديل

رئيس جمعية تشكيل المعادن، عماد الزيبق، طالب محافظة دمشق بـ «تأمين منطقة بديلة عن منطقة حوش بلاس، من أجل نقل الصناعيين والحرفيين الموجودين على أرصفة العاصمة دمشق إليها»، داعياً إلى «تأمين منطقة حول دمشق لتخدم المدينة والريف، وذلك ضمن عقود تبرم مع المحافظة».
 وأكد الزيبق أن «جمعية تشكيل المعادن، والجمعيات الأخرى المعنية في الأمر، على استعداد للقيام في جولة برفقة محافظ دمشق، من أجل اختيار منطقة مناسبة تكون قريبة من دمشق، وتخدم محافظتي دمشق وريفها، كمنطقة اتستراد العدوي، والمتحلق الجنوبي، وأيضا الأراضي المحيطة بمدينة جرمانا».
وأكد الزيبق شكاوى الحرفيين، قائلاً «تم إعطاء الحرفي في حوش بلاس مساحة 4 أمتار على رصيف، دون تأمين مياه ولا كهرباء ولا حتى صرف صحي، فالحرفي في هذه الحالة بحاجة إلى مبلغ 100 ألف إلى 200 ألف ليرة سورية، من أجل تشييد كشك أو غرفة صغيرة لوضع معداته بها، وهو مبلغ كبير بالنسبة للحرفي ويشكل عبئاً عليه»، موضحاً أن «حوش بلاس لا تتسع لأكثر من 200 إلى 250 حرفي فقط».
 وأضاف أن «هناك عدة عوامل تجعل منطقة حوش بلاس غير مؤهلة لنقل الحرفيين إليها، يتمثل أهمها ببعد المسافة التي سيقطعها الحرفي ليصل إلى محله، إضافة إلى عامل الوقت الذي يحتاجه الحرفي أو المواطنين»، لافتا إلى أن «الشخص الذي يقصد حوش بلاس يحتاج مدة ساعة ونصف إلى ساعتين ليصل إلى المنطقة،  وساعتين للعودة، مما يستدعي من الحرفي أن ينهي عمله في الساعة الثالثة ظهراً».