جامعة دمشق: مشروع «النخبة» يطيح آمال عامة الطلاب
في إطار برامج تطوير أبنية جامعة دمشق ومرافقها، اقترحت مديرية الشؤون الهندسية في الجامعة، ضمن خطتها لعام 2007، مشروع إنشاء تجمع رياضي جامعي متكامل في مدينة دمشق، إلا أن الفكرة رغم استحسانها عادت إلى أدراجها ليصبح المشروع من المؤجلات.
عام 2012، وفي سياق الأزمة السورية وسياسة «ضغط النفقات»، وبناءً على ما أعلنته وزارة التعليم العالي عن استعدادها تمويل هذا المشروع من الموارد الذاتية لجامعة دمشق على عامين، يعود المشروع وبموافقة من هيئة التخطيط والتعاون الدولي في رئاسة مجلس الوزراء ليأخذ صيغة جديدة اقتصرت على إعادة تاهيل ما هو قائم من منشآت رياضية، وليشمل المنشآت الرياضية في المدينة الجامعية، والمنشآت الرياضية في كلية العلوم السياسية، ومجمع كليات الميكانيك والكهرباء بالإضافة إلى مدرسة التمريض.
بصيص أمل
بعد هذا المشوار من عام 2007 إلى عام 2012، وبعد أخذ ورد متكررين، قررت رئاسة جامعة دمشق إجراء الدراسات اللازمة لما وافقت عليه هيئة التخطيط والتعاون الدولي من إعادة تأهيل المنشآت الرياضية التابعة للجامعة، كإستجابة ملحة وضرورية للحد الأدنى من حاجة الطلبة إلى فعاليات وأنشطة رياضية وثقافية تخرجهم من قيود حياتهم الجامعية، في خطوة لتطوير ملكاتهم الفكرية والجسدية.
وبناء على هذا التوجه قامت رئاسة جامعة دمشق، ممثلة بمكتب ممارسة المهنة، بتكليف فريق من الدارسين لتقديم تقرير فني مفصَّل عن الوضع الراهن لهذه المنشآت، وتقديم المقترحات والحلول الفنية والكلفة التقديرية لتنفيذ المقترحات الممكنة.
المزيد من تقليص الإنفاق
تقدَّم الفريق المكلف بدراسة المشروع بتقريره الأولي، مع المقترحات الفنية والكلف التقديرية كخطوةٍ أولى، لتتخذ رئاسة الجامعة رأياً تبنى عليه الدراسات المطلوبة، لكن المشروع لم يجد من يدرك أبعاده ضمن الأزمة السورية، ليدخل مرحلة جديدة حيث تحولت الموافقة على النفقات التقديرية لتنفيذ الأعمال مسمار جحا دفع بالمشروع نحو المزيد من التقلص والضمور، إذ قررت رئاسة الجامعة، بضغط من هيئة التخطيط والتعاون الدولي، إلى إختصار الأعمال والإكتفاء بإعادة تأهيل المنشآت الرياضية في المدينة الجامعية فقط، مع تأجيل النظر بباقي المنشآت. وبناء على هذا القرار، تم في نهاية عام 2013 إعداد عقد تلزيم الدراسة مع تخصيص فترة ستة أشهر لإعداد الإضبارة التنفيذية، كخطوة جادة لإعادة توظيف المنشأت الرياضية كمرفق حيوي يخرج الطلبة من أزمة النشاط وأزمة التواصل.
لكن وكأن الترهل الإداري أصبح سيد الموقف. يعود المشروع مرة ثالثة إلى مربعه الأول، مربع الاعتمادات المالية والموافقات الإدارية و الوصائية، ليدخل مرة أخرى إلى مكاتب رئاسة جامعة دمشق ومكاتب وزارة التعليم العالي ورئاسة مجلس الوزراء. وبين الذهاب والإياب حتى نهاية عام 2014، ينسف هذا المشروع، ويسقط مكانه (من السماء ربما) مشروع مفاجئ يزيح بطريقه مشروعاً عاصر ثلاثة رؤساء لجامعة دمشق، ويضع كل القواعد المالية والإدارية جانباً.
مشروع أقل أهمية وأكثر كلفة
ألغي مشروع إعادة تأهيل المنشآت الرياضية في المدينة الجامعية البالغة كلفة تنفيذه التقديرية نحو 145 مليون ليرة سورية، لقاء أتعاب دراسة قاربت 5.2 مليون ليرة سورية يعود 20% منها لجامعة دمشق بتوجيه من رئاسة مجلس الوزراء، ليحل مكانه مشروع إنشاء هنغار معدني فوق مبنى النادي الرياضي كتوسيعٍ له، بكلفة تنفيذ تقديرية وأولية قاربت 170 مليون ليرة سورية (قد تصل لأضعاف ذلك إذا ما تبين خلال الدراسة أن المبنى القائم بحاجة لتدعيم). وعدا المستجدات، حدد لهذا المشروع أتعاباً للدراسة بلغت 6.9 مليون ليرة سورية، يعود 20% منها لصالح جامعة دمشق، ولتأخذ دراسة هذا المشروع البديل طريقها إلى التنفيذ دون أن تخضع لقرارات اللجان الفنية والموافقات المالية ورصد الاعتمادات وحجز المخصصات من الموارد الذاتية، متجاوزاً أيضاً حواجز المرور في مكاتب وزارة التعليم العالي ورئاسة مجلس الوزراء وهيئة التخطيط والتعاون الدولي.
إزدواجية المعايير
ولأن للفساد كلمته كما يبدو، تم وضع مصلحة جمهور من الطلبة يتجاوز عددهم ألفي طالب وطالبة في مفاضلة مع مصلحة نخبة النخب من الطلبة. خضع مشروع إعادة تأهيل منشأت رياضية الذي يخدم طلبة لا تجد متنفساً إلا بالرياضة لشروط الإقتصار على تنفيذ الأعمال الضرورية والملحة، والذي أحتاج لأكثر من تسع سنوات عاصر فيها ثلاثة رؤساء جامعة ليصل نهاية عام 2014 إلى نفق مسدود بتوجيه من رئاسة مجلس الوزراء، حيث أكدت على ضرورة عدم التعاقد مع العلم بأن الموافقات السابقة صدرت عن أحد مكاتبها وهي هيئة التخطيط والتعاون الدولي.
أما مشروع نخبة النخب، الهنجار المعدني، فلم يكن من الضروري الاقتصار على الأعمال الضرورية والملحة، ولم يكن بحاجة إلى هذا المسار الطويل من الدراسة والتمعن والتبصر لاتخاذ القرار، لا بل جاء بأوامر صارمة من الكتبة المتنفذين في جامعة دمشق بضرورة الاستعجال بتوقيع عقد الدراسة قبل أن تستفيق اللجان الفنية والمالية من سباتها.
مشروع العامة وإن كانت كلفة تنفيذه مختصرة على الأعمال الضرورية، لا يصمد أمام مشروع الخاصة وإن تجاوزت كلفته الميزانيات الممكنة والمسموحة. مشروع لأكثر من ألفي طالب وطالبة سار من مكتب إلى مكتب في جو من الترهل الإداري بحثاً عن شرعية لتنفيذه، وكأن ما ارتأته رئاسة جامعة دمشق من أهمية وأولوية غير كافٍ، دون أن يأخذ مصداقية المستفيدين من الفساد والمدافعين عن المصالح الفردية.
تسع سنوات أخذ المشروع خلالها الموافقات المبدئية من هيئة التخطيط والتعاون الدولي في رئاسة مجلس الوزراء لتعود الجهات ذاتها وترفضه، دون إحساس بمسؤولية ما سيترتب عن ذلك في ظل أزمة وطنية خانقة لا تجد لها طريقاً للخلاص. لكن المؤكد أن الفساد لا يريد أن ينزاح عن كاهل جامعة دمشق. والفاسدون لا يريدون لهذا البلد أن يستعيد عافيته.