أقل من شهر للعودة إلى حوش بلاس..ورش على قارعة الطريق.. أرصفة مكتظة وابتزاز وتهديد بالطرد

أقل من شهر للعودة إلى حوش بلاس..ورش على قارعة الطريق.. أرصفة مكتظة وابتزاز وتهديد بالطرد

خسروا أغلب ممتلكاتهم وورشهم كبرت أم صغرت في منطقة القدم بريف دمشق ومناطق أخرى أصبحت ساخنة في الريف خلال الأحداث الأخيرة، وكحال باقي الحرفيين الذين كان ريف دمشق مركزاً لمصدر رزقهم، تحول أصحاب مهنة صيانة السيارات إلى نازحين داخل دمشق، بعد أن طردتهم الأزمة وسخونة الاحداث من هناك.

وكأي نازح من المناطق الساخنة إلى دمشق، عانى أصحاب مهنة صيانة السيارات من المعاملة كـ«سياح» عند لجوئهم لاستئجار محلات في قلب العاصمة محاولين إعادة ولو جزء بسيط من مدخولهم السابق يعيلهم بتأمين قوت يومهم، وأجرة منازلهم، وخاصة في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني.

مهنة «مبعثرة» على قارعة الطريق

ومن القدم، إلى البرامكة (زقاق الجن) وأسفل جسر الزاهرة، واتوستراد الفيحاء قرب ركن الدين، والفحامة، تبعثر هؤلاء على الأرصفة، وفتحوا سياراتهم «البيك آب» أو «الصالون» كورش بعد أن زودوها ببعض المعدات التي استطاعوا إخراجها من محلاتهم التي خسروها، أو اشتروها مما تيسر لهم من أموال، ومنهم من فتح «بسطة» للصيانة كونه لا يملك سيارة بعد ان خسر أغلب ممتلكاته.

في زقاق الجن وهو حي من أحياء البرامكة، وفي مكان ليس ببعيد عن جمعية صيانة السيارات، هاجم علاء «ميكانيكي»، وهو شاب في الـ35 من عمره متزوج وله طفلان، الجمعية الحرفية، قائلاً: «خسرنا كل شيء في القدم، المنزل والورشة، ومنذ حوالي العام كانت هناك وعوداً من الجمعية الحرفية بتأمين مكان يجمع أصحاب المهنة، دون جدوى».

ابتزاز..

وأضاف «الحكومة كلها بوزرائها، لم تقدم لنا شيئاً، فكيف ستقدم لنا الجمعية مانريد بشكل يناسب وضعنا المادي الصعب؟»، لافتاً إلى وجود الكثير من المصاعب في العمل على الرصيف بالاعتماد على سيارته الصغيرة كشبه محل، وقال: «يومياً نتعرض للمضايقات، فبعض ذوي النفوذ، يبتزونا للحصول على المال مقابل بقائنا أحياناً، أو يتم تهديدنا بالإخلاء من قبل المحافظة».

أبو عبد الله 43 عاماً، كانت معاناته تصب في المنحى ذاته ، فهو يشغل جزءاً من رصيف بمنطقة الفحامة كـ«ميكانيكي» ويحمل شهادة في هندسة الميكانيك، قال: «اتخذت من هذا الرصيف مكانا للعمل منذ ثلاث سنوات، وأنا مضطر للعمل حتى وقت متأخر من الليل ريثما أنهي طلب الزبون، كوني لا أستطيع ترك سيارة الزبون أو أي قطعة منها في الشارع لأني لا أملك سيارة صغيرة على الأقل لأترك مستلزمات العمل بها».

وتابع «القدم كانت تضم ما يقارب 4 آلاف ورشة قبل الأزمة، واليوم، جميعهم في وحدة حال، منهم من يملك سيارة بيك آب جعل منها محلاً، ومنهم من افترش الرصيف».

خالد يعمل في طلاء السيارات بمنطقة الفحامة، وهو متزوج حديثاً، «وحياته صعبة بتكاليفها الحالية» وفقاً لتعبيره، فهو مضطر اليوم ليتقاسم عائداته التي يجنيها بتعبه «المضاعف» عن السابق، مع أصحاب المحلات وفقاً لما قاله، حيث أكد أنه «يدفع نسبة من دخله اليومي لصاحب محل قطع سيارات يعمل بالقرب منه، اعتبر نفسه صاحباً للعمل».

خسائر كبيرة وصعوبة في العمل

وتابع «الخسارة لاتنته هنا، فمهنتي بحاجة إلى مكان مغلق، وأغلب الأحيان، لا أكاد أشرف على إنهاء عملي، حتى تأتي الرياح والأمطار لأعود بالعمل من البداية، مضطراً لوضع مواد جديدة مرة أخرى».

وطالب خالد بفتح طريق القدم للعودة إلى محله الذي خسره، متسائلاً «لماذا تم فتح الطريق الخلفي المؤدي إلى صحنايا، وإغلاق طريق القدم رغم انتهاء العمليات العسكرية هناك».

غلاء آجارات المحلات في دمشق، وعدم كفاية المدخول للإنفاق على اجرة منزل ومحل وإعالة 5 أولاد، دفع أبو حسين «معلم كهرباء سيارات» إلى العمل «على قارعة الطريق»، وقال: «تقدمت بطلب لاتحاد الحرفيين كي يتم حل مشكلتي على الاقل وتأمين مكان للعمل، وأكدوا بأنه سيتم توفير مكان في منطقة حوش بلاس للعمل به بداية عام 2015 وأنا انتظر إلى اليوم دون جدوى».

وشرح صعوبات العمل بقوله «أبدأ عملي الساعة العاشرة صباحا بناءً على طلب الجوار، وإن تأخرت أكثر لن أجد مكاناً لركن سيارتي نظراً لازدحام المكان، وأقوم بتنظيف جزء الرصيف الذي أشغله بشكل جيد، قبل الذهاب لمنزلي مساءً كي لا أزعج الجيران وأصحاب المحلات».

اتهامات ..

ورغم الصعوبات التي يعاني منها حرفيو صيانة السيارات، كانت هناك اتهامات من قبل بعض الزبائن، وبعض أصحاب محلات قطع السيارات وخاصة في البرامكة، الذين أكدوا بأن بعضاً من هؤلاء يتقاضون أسعاراً غير منطقية من الزبون مقابل تقديم خدماتهم، حيث تضاعفت الأسعار عن «حوش بلاس» لأكثر من 100%.

وقال أحد الزبائن: إن «أصحاب هذه الورش استغلوا وجودهم وسط المدينة، وبعد منطقة حوش بلاس لزيادة الأسعار»، مضيفاً: إن «مبررات هؤلاء غير منطقية، لطالما أن أسعار الخدمات في المحلات النظامية بمنطقة حوش بلاس أرخص بكثير».

وعلى ذلك برر أصحاب المهن على الأرصفة، بأن السبب قد يعود أحياناً الى استئجار مولدات كهرباء وتأمين مادة المازوت، إضافة إلى ارتفاع أسعار قطع التبديل والمواد اللازمة للصيانة، عدا عن دفع جزء من المدخول اليومي لبعض أصحاب محلات قطع السيارات الذين اعتبروا أنفسهم شركاء في العمل، إضافة إلى ابتزاز بعض ذوي النفوذ.

متطفلون..

وكل ماذكر أعلاه، كان لمهنيون متضررون من الأحداث في منطقة القدم بريف دمشق أوغيرها من مناطق ريف دمشق، وهذا لايعني أن جميع من افترش الأرصفة متضرر تماماً، فقد لاحظت «قاسيون» خلال الجولة، وجود أصحاب محلات في «حوش بلاس»، يرفضون العودة إلى تلك المنطقة رغم إعادة تأهيلها تقريباً، وذلك لعدة حجج منها «بعد حوش بلاس مقارنة مع قلب العاصمة دمشق ولو نسبياً، حيث يفضل الزبائن قلب العاصمة، هرباً من الازدحام وتلافياً لهدر الوقت»، عدا عن غياب الضوابط على قارعة الطريق وخاصة عبر رفع الأسعار، وفقاً لما أكده البعض.

تهديد بالطرد..

وعند عودة «قاسيون» إلى منطقة البرامكة في الطريق باتجاه الحلبوني، لتسليط الضوء على المزيد من شكاوي أصحاب المهن المتعلقة بصيانة وإعادة تأهيل السيارات، أكد لنا أحدهم بأن  «دورية من محافظة دمشق هددت بطردهم وأعطتهم مهلة 24 ساعة لإخلاء المكان وإلا ستتم مصادرة ممتلكاتهم».

وبحسب ماقاله المشتكون، فإن ذريعة المحافظة في ذلك هي «أزمة السير» و«الضوضاء» و«إهمال نظافة المكان»، نتيجة شكاوى قدمها بعض أصحاب المحلات هناك وسكان المنطقة.

المهلة أقل من شهر

محافظة دمشق لم تنف إنذار بعض من هؤلاء وأكدت أنه هناك مهلة للشهر القادم حتى يعود المهنيون إلى حوش بلاس، وأكد مصدر في المحافظة لـ«قاسيون»، إن هذه الانذارات هي لإجبار أصحاب المحلات بالعودة إلى حوش بلاس بعد تأهيلها، مشيراً إلى أنه «تم تأهيل ساحة بالقرب من حوش بلاس لجمع أصحاب بسطات تصليح السيارات فيها، بشكل أكثر تنظيماً من شوارع دمشق، بعد عدة ازعاجات رتبها المهنيون على الجوار والمحافظة».

وتابع «يومياً نضطر لغسل الشوارع التي يعملون فيها بمواد التنظيف، عدا عن روائح الطلاء، وأصوات الحديد والمولدات، إضافة إلى أزمة السير وتشكيل رتلان وثلاثة من السيارات على يمين ويسار الشارع».

بدء تأهيل القدم..

وأردف «يتم حالياً تأهيل منطقة القدم الصناعية وهي في المراحل الأولى، ولايمكن اعطاء تاريخ محدد للانتهاء، لكن يجب على أصحاب الورش المتنقلة تنظيم أنفسهم في الساحة المخصصة قرب حوش بلاس ريثما يتم الانتهاء من تأهيل منطقة القدم».

وبدوره، قال مازن فرزدلي مدير دوائر الخدمات بمحافظة دمشق، في تصريحات صحفية إن «المحافظة غضت البصر عن أصحاب هذه الورش حوالي 3 سنوات، فمن الناحية الاجتماعية تسرب الكثير من الحرفيين الى بلدان مجاورة، عدا عن فقدان هؤلاء لمحلاتهم وممتلكاتهم، وحرصاً منا عليهم لم نقم بإزعاجهم».

قد يكون الحل في دمشق

وطالب فرزدلي، اتحاد الحرفيين، تحديد ساحة في دمشق يجدونها مناسبة، لنقل أصحاب الورش اليها مؤقتاً، بينما قال عصام الزيبق رئيس جمعية تشكيل المعادن، «لدينا عدة مناطق داخل دمشق يمكن نقل الحرفيين إليها، مثل المتحلق الجنوبي» مشيراً إلى أن «الجمعية ناشدت محافظة دمشق عن طريق اتحاد الحرفيين لتأمين مكان وترحيل أصحاب ورشات التصليح من الطرقات، وبذلك تكون النتائج ايجابية على الجميع، حيث يتخلص الزبائن من زيادة الأسعار، ويتخلص المارون وأصحاب المنازل والمحلات من أزمة السير والنظافة والضوضاء».

وتابع «طلبنا من المحافظة تأمين أكشاك برسم الإعارة على طريق حوش بلاس، لكننا لسنا جهة تنفيذية لمتابعة ذلك على الأرض».

وفي سياق آخر، حذر الزيبق من احتمال انقراض بعض المهن اليدوية الهامة، بعد خروج أصحاب المهن الحساسة من البلاد، واستقطابهم في بلاد مجاورة، مشيراً إلى أن «كل محافظة سوررية تعاني من نقص خبراء المهن التي بدأت تتلاشى مثل صناعة السيوف والتطريز»، مضيفاً «نعمل على افتتاح معهد حرفي، لإعادة إحياء الحرف المهددة بالانقراض».

آخر تعديل على الأربعاء, 22 نيسان/أبريل 2015 22:05