الحرب و«أطفال سورية».. لجوء وتشرد وتسرب من التعليم
تحاول الابتسامة أن ترتسم على وجوههم، بعد أن غيّرت الحرب الدائرة معالم مدنهم، ومحت عناوين سكنهم وشتت أصوات ضحكاتهم ليتحولوا إلى أرقام بائسة، وأجساد تقف على طوابير الانتظار في محاولة يائسة للحصول على وجبة طعام أو غطاء أو حتى قطعة لباس شبه بالية.
ستنتهي سنة 2014 قريباً ولن يتذكر العالم من بؤس طفولة السوريين سوى أرقام سيسجلها التاريخ الذي لا يتذكر العيون الباكية والجدائل المنثورة والأجساد الطرية الراقدة تحت الركام.
1.7 مليون طفل لاجئ!
تلعب «جمانة»، الطفلة ذات العشر سنوات، أمام المنزل الذي استأجره ذووها في إحدى ضواحي دمشق المكتظة. وتقول «أنا أكره هذا المنزل الذي نقيم فيه وأريد العودة إلى منزلنا القديم الذي يوجد فيه تلفاز ومدفأة، كما يوجد فيه سريري الدافئ وألعابي وكتبي، وجدتي التي لم تعد تزورنا».
لا تعلم أن منزلها الجميل قد تدمر بشكل كامل، وأن جدتها توفيت هناك. كما لا تعلم جمانة بـ«نية أهلها بالسفر خارج سورية» وعدم العودة إلى مدينتهم لأنهم لا يرون أن هناك حلاً للأزمة السورية في المستقبل القريب. لذلك ستصبح «جمانة» بعد فترة قصيرة لاجئة، ويرتفع عدد اللاجئين السوريين في الخارج.
تقول أرقام «اليونيسيف» إن 230 مليون طفل يعانون «مرارة العيش» في مناطق تشهد حروباً منذ سنوات، مثل سورية التي «تأثر فيها أكثر من 7 ملايين طفل من الحرب هناك، من بينهم مليون و700 ألف طفل أصبحوا لاجئين».
تبقى أرقام «اليونيسيف»، وبحسب الناشطين، غير دقيقة فعدد كبير من الأطفال وأسرهم دخلوا إلى البلدان المجاورة كلبنان والأردن وتركيا بشكل غير شرعي وأقاموا لدى أقارب لديهم، كما أن برنامج الأمم المتحدة للاجئين لم يقبل تسجيل كل الأسر السورية أو الأفراد لديها.
تسوّل وفقدان
تمتلئ حدائق المدن السورية وكذلك الأرصفة بأطفال امتهنوا «التسوّل» من أجل الحصول على مبلغ مادي يعينون أسرهم من خلال ما يجمعونه طيلة النهار، فيما أبى البعض منهم واختار أن يبيع أي سلعة كي لا يشحذ. وذلك بعد أن تحوّل عدد كبير من الأطفال وبسبب فقدانهم للمعيل الرئيسي لعائلتهم إما بسبب وفاة أو غياب قسري أو إصابة ما جعلت من رب الأسرة مقعداً وعبئاً على أسرته.
«أمجد»، طفل في الحادية عشرة من عمره، ترك مقاعد الدراسة منذ العامين، وكل ما يجيده هو كتابة اسمه وبعض الجمل القصيرة وتهجئة بعض العبارات المكتوبة على واجهات المحلات؛ حالياً يبيع الورد الجوري في سوق الحميدية.
ويقول «خرجنا من مخيم اليرموك بعد أن أصبح الوضع مخيفاً هناك. وقال لنا والدي أن فترة الغياب لن تكون طويلة، ولكن الفترة صارت طويلة ولم نعد نتمكن من العودة إلى منزلنا، عدد كبير من جيراننا سافروا إلى لبنان أو الأردن لكن والدي رفض ذلك وأصر على البقاء في الشام».
وأضاف «في إحدى المرات سمع والدي عن مصالحة في مخيم اليرموك فقرر العودة إلى منزلنا عن طريق يلدا، ولكنه تعرض للقنص وتوفي هناك. وباعت والدتي مصاغها ولم يبق لنا أي دخل، لذلك قررت أن أعمل كي أساعد والدتي في مصاريف المنزل».
الحالة النفسية على المحك
أطلقت منظمة «اليونيسيف» بالتعاون مع وزارة التربية وغيرها من الشركاء في سورية حملة تحت عنوان «العودة إلى التعليم» يستهدف مليون تلميذ في المرحلة الابتدائية بمختلف مدارس سورية.
«عدي»، ابن التسع سنوات، هو اليوم طالب في الصف الثاني الابتدائي، لكن من المفترض أن يكون في الصف الثالث الابتدائي؛ حيث لم يتمكن من تمضية فصل دراسي واحد كامل في ذات المدرسة وذلك بسبب حركة النزوح الكاملة التي كانت تعيشها عائلته، كما أنه انقطع عن الدراسة لأكثر من أربعة أشهر.
ويقول «نزحنا كثيراً، وتنقلت بين عدد كبير من المدارس لذلك لم أتلق كل تعليمي، وأنا أتمنى أن أكمل دراستي وأن لا ينزح أهلي مرة ثانية».
وفي هذا السياق، تقول «ريما.ع»، مرشدة نفسية في إحدى مدارس ريف دمشق، «يحضر إلينا العديد من الأطفال لا يملكون أوراقاً ثبوتية أو أنهم انقطعوا عن الدراسة عاماً دراسياً كاملاً أو أكثر. ونحن نحاول أن ندمجهم مع أقرانهم. لكن الأوضاع الأمنية السائدة وعدم الاستقرار الذي تعيشه معظم الأسر السورية يجعل موضوع متابعة الأطفال لتحصيلهم العلمي أمراً ثانوياً، فأمنهم وسلامتهم هي الأولوية بالنسبة للعائلات».
وتابعت «وبعد ذلك يأتي موضوع التعليم، حيث شهدنا تراجعاً في متابعة هذا الموضوع إلى جانب وجود ضغط كبير على المدارس التي توجد في المناطق الآمنة، فمعظم المدارس تعمل بنظام الدوامين كي يتم استيعاب الأعداد الكبيرة للأطفال الذين ينزحون من المناطق المجاورة». وتضيف «ان حالة عدم الاستقرار تؤثر سلباً على الحالة النفسية للأطفال وعلى تحصيلهم العلمي».
«شلل الأطفال» من جديد
عاد «شلل الأطفال» للظهور في سورية بعد أن أعلنت سورية التخلص من هذا المرض نهائياً في عام (1999)؛ وذلك في المناطق التي كانت تحت سيطرة المجموعات المسلحة، حيث توفي أكثر من خمسة عشر طفلاً في دير الزور ومناطق أخرى في سورية. فيما أطلقت الحكومة السورية تسع حملات لقاح شلل الأطفال كانت مجانية في كافة المحافظات والمناطق السورية.
كما توفي أكثر من سبعة وعشرين طفلاً في ريف إدلب نتيجة تلقيهم لقاحات فاسدة كان من المفترض أن تكون ضد شلل الأطفال وذلك في مناطق تقع تحت سيطرة المجموعات المسلحة.
وتقول منظمة «اليونيسف» إنه تم توفير حوالي 68 مليون جرعة من لقاح شلل الأطفال الفموي إلى دول في الشرق الأوسط للقضاء على المرض في العراق وسورية.
تحذيرات «اليونيسيف»
يوجد عدد من المنظمات والدول لا تؤمن بمصداقية «اليونيسيف». لكنها تبقى المنظمة العالمية الأوسع انتشاراً على مستوى العالم، والتي حظيت بتأييد من عدد كبير من دول العالم. حيث أنشأت الأمم المتحدة «اليونيسف» في كانون الأول 1946، لتوفير الغذاء والكساء والرعاية الصحية لأطفال الدول الأوربية، الذين واجهوا خطر انتشار المجاعة والمرض بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
أعلنت «اليونيسيف»، في تقريرها السنوي، أن سنة 2014 كانت سنة مليئة بالرعب والخوف واليأس لملايين الأطفال، حيث أن النزاعات المتزايدة عرضتهم للعنف الشديد والآثار المترتبة عليه، والتجنيد الإجباري، والاستهداف المتعمد من قبل المجموعات المتحاربة. كما حذرت منظمة الطفولة أن الكثير من الأزمات لم تعد تستحوذ على اهتمام العالم.
فيما صرح آنتوني ليك، المدير التنفيذي لليونيسيف، قائلاً «كانت هذه سنة مدمرة لملايين الأطفال. قُتل الأطفال وهم على مقاعد الدراسة، أو وهم نيام في أسرّتهم تعرضوا لليتم والخطف والتعذيب والتجنيد والاغتصاب وللبيع كعبيد. ولم يسبق في ذاكرتنا الحديثة أن تعرض هذا العدد من الأطفال لمثل هذه الفظائع».
وتابع «إنها لمفارقة محزنة أننا نحتفل هذا العام، وبمناسبة مرور 25 سنة على اتفاقية حقوق الطفل، بالكثير من الإنجازات والتقدم الذي تحقق لصالح الأطفال في العالم، إلا أن حقوق الملايين منهم لا تزال تنتهك بشكل سافر. العنف والصدمة لا يؤذيان الأطفال بشكل منفرد فقط، ولكنهما يقوضان قوة المجتمعات. يستطيع العالم، ويتوجب عليه بذل المزيد من الجهد ليكون عام 2015 أفضل لكل طفل. فبغض النظر عما إن كان ذكراً أو أنثى يستطيع كل طفل يكبر وهو يتمتع بالقوة والسلامة والصحة والتعليم أن يسهم في تنمية ذاته وأسرته ومجتمعه وبالتأكيد أنه سيسهم في تحقيق مستقبل أفضل».