في السويداء..«داعش» بمازوتها وأمراضها وعملائها!
«ما معك مصاري، اشتري داعشي».. والـ «داعشي» هنا هو المازوت المكرر بطرق بدائية من تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الإرهابي.
هذه العبارة تقال بشكل طبيعي ومتكرر في محافظة السويداء، وهي ليست مجازية قط، فمنذ بدء الشتاء انتشر بشكل سريع ومفاجئ بيع نوع من المازوت بسعر أقل من السعر النظامي وحتماً أقل من السعر في السوق السوداء، هذا النوع هو مايدعى بـ«المازوت الداعشي»، ويتراوح سعر الليتر منه مابين 110–120 ل.س حسب الظروف المناخية، في حين أن سعر الليتر النظامي 155 ل.س في الكازيات، وسعر الليتر في السوق السوداء لايقل حتماً عن 200 ل.س، ويمكن تمييزه بلونه الأسود القاتم ورائحته الواخزة بقوة والكريهة بشكل لايحتمل، وهو مليء بالشوائب وبقايا المشتقات غير المعالجة بشكل سليم.
لا يمكن تحديد مصدر هذه المادة بدقة، لكن مايدور بين الناس يركز على وجود صهاريج تابعة لتنظيم ما يسمى«الدولة الإسلامية في العراق والشام» على الحدود الشرقية للمحافظة، وهي محملة بالمازوت المكرر بدائياً في محافظة ديرالزور، وعبر عملاء البيع من أبناء المحافظة وغيرهم يتم نقل المادة من الصهاريج إلى داخل المحافظة..
المهنة الجديدة والشغل مش عيب
مدخل المحافظة هو قرية «الصورة الكبيرة»، وفيها يتركز بيع هذا النوع من المازوت، والأمر طبيعي جداً، حيث يصعب عد بسطات البيع المنتشرة على امتداد أكثر من 500م من طريق دمشق السويداء، وتحديداً بين مدخل المحافظة، أي بداية قرية «الصورة الكبيرة»، وبين حاجز «حزم». محال البقالة تحولت بأغلبها لبسطات لبيع المازوت الجديد، والعديد من المحلات داخل القرية تحولت فعلاً إلى نقاط توزيع عشوائية للبيدونات وبراميل المازوت.
وينتشر الحديث حول أن قرية «الصورة الكبيرة» هي قرية نائية على أطراف المحافظة، منسية ومتروكة خارج مخططات التنمية طوال السنوات السابقة، ما أدى لضعف الوضع الاقتصادي عموماً بين أهالي القرية، من هذه الزاوية يتم تبرير انتشار تجارة المازوت الـ«داعشي» من بعض أهالي القرية وخاصة أولئك الذين امتهنوا تجارة المازوت خلال الشهرين الماضيين.
إغسلوا أيديكم بالصابون وفقط...!
مؤخراً بدأت علامات إصابات جلدية وتحديداً ظهور طفح جلدي لدى كل من هو على تماس مباشر مع هذه المادة بشكل كبير، أي أولئك من يعملون في تجارتها أو نقلها، والبعض تحدث عن ظهور تقرحات جلدية خطيرة، لم يتسن لقاسيون تأكيد ذلك.
لكن وجود إصابات جلدية هو أمر مؤكد وفق شهادة العديد من أهالي القرية، الذين انتابتهم عموماً موجة قلق من انتشار هكذا أمراض جلدية، آخذين بعين الاعتبار أن عدد سكان القرية ليس كبيراً، وهم على تماس مباشر مع بعضهم بشكل مستمر تقريباً. وعند الرجوع للأطباء كانت الأجوبة مطمئنة وغير مهتمة كثيراً بهذه الظاهرة الخطيرة، ونصح أحد الأطباء بـ: «غسل اليدين بالصابون جيداً، وارتداء كمامات عادية ومن الجيد أيضاً ارتداءالكفوف...!».
الإرهاب الآخر..؟
لايمكن التعاطي مع ظاهرة بيع المازوت الـ«داعشي» دون الأخذ بعين الاعتبار وضع توزيع المحروقات ومصادر الطاقة في المحافظة عموماً، والمنطقة الشمالية _منطقة اللواء_ خاصة. ففي قرية «خلخلة» القريبة من قرية «الصورة الكبيرة» والتي تعتبر مركز المنطقة عموماً، تم الوصول إلى نسبة تحقيق 40% من خطة توزيع مادة المازوت، لكن القريتين اللتين تعتمدان على المحروقات الموزعة من قرية «خلخلة»، وهما قريتا «ذكير» و «أو حارتين» لم يبدأ التوزيع فيهما حتى الآن، والحال ليس أفضل في باقي القري المحيطة، وطبعاً ليس أفضل في مدينة السويداء وقراها، خاصة الشرقية منها التي يعيش أهلها في ظروف جوية صعبة جداً ودرجات حرارة منخفضة حد التجمد.
وبخصوص مادة الغاز، يوجد في قرية «خلخلة» 500 دفتر عائلة، في حين تصل إلى القرية 50 أسطوانة غاز، ونادراً ما تصل إلى 100 أسطوانة، وذلك كل 20 أو 30 يوم. والحال مثله في باقي القرى ومدن محافظة السويداء.
إن هذا الواقع يدلل بقوة على أسباب انتعاش تجارة هذا المادة السيئة والمضرة من المازوت، يضاف إليها حتماً غياب الرقابة الحكومية كلياً، بل وأكثر من ذلك التواطؤ والتساهل، خاصة وأن الحديث هنا عن إنعاش تجارة واقتصاد تنظيم مسلح تكفيري، هو من المفترض أن يكون العدو الأول اليوم لجهاز الدولة والناس، وهذه العملية تحدث على الملأ، وتنشر مخاطرها الأمنية والصحية والشعبية..!