تحرير الأسعار.. وغياب الرقابة..!
أنور علي أنور علي

تحرير الأسعار.. وغياب الرقابة..!

خلال العقد الماضي، ونتيجة تطبيق السياسات الاقتصادية الاجتماعية الليبرالية، تحت مسمى اقتصاد السوق الاجتماعي، وخاصةً تحرير التجارة وتحرير الأسعار، والذي أدّى إلى تراجع دور الدولة كشبكة أمان اجتماعي، وغياب الرقابة الرسمية، وكان ذلك من الأسباب المهمة لتضاعف معاناة المواطنين وانفجار الحراك الشعبي والأزمة التي يعاني منها الوطن.

عام 2003 حتى أن أسعار المواد التي لم تحرر، تُرك أمر تسعيرها للمنتجين والمستوردين، ولم تبق أي مادة على الإطلاق خاضعة للتسعير التكليفي، سواء مركزياً على مستوى الوزارة، أو في المحافظات. حيث يتم تسعيرها بناءً على مبدأ العرض والطلب، وسعر الدولار من قبل المنتجين والمستوردين.
كما أعلنت اللجنة الاقتصادية منذ أكثر من خمس سنوات، عن إخراج العديد من المواد خارج إطار الرقابة التموينية، بطريقة أو بأخرى.. وعلى سبيل المثال :
1- المواد الزراعية ومستلزمات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني من (بذور ومبيدات وأدوية بيطرية ومنشطات وأسمدة وأدوات زراعية وكائنات حية الخ..) وأوكلت مهمة ترخيص المحال ومراقبتها لوزارة الزراعة، التي تقوم بالترخيص ولم تقم بالرقابة نهائياً، بما يخص (تاريخ الصلاحية – التسعير – النوعية – مصدر المواد) لكن الفلاح لا يعرف إلا التموين في هذا المجال..!
2- المواد الصيدلانية: التي أيضاً لا يمكن رقابتها(إلا بحضور مندوب عن نقابة الصيادلة) وغالباً ما يتعذر ذلك، أو يغطي على مخالفات زملائه الذين يعملون بتجارة المواد والأدوية البشرية.
3- المحروقات: كانت الوزارة حاضرة بقوة في ترخيص (محطات المحروقات ومحال بيع الزيوت والمشاحم ومحال بيع الغاز..) من خلال مديرياتها في المحافظات، لكن فيما بعد تُرك أمر ترخيصها للبلديات، وتأمين المادة لشركة المحروقات، فإذا كان الترخيص للبلدية، وتأمين المادة للشركة، والتوزيع من قبل اللجان المحلية.. فكيف يتم تحميل عناصر التموين مسؤولية أي خلل..؟ علماً بأن البلديات خلال عام واحد، قامت بترخيص ما يعادل 50% مما رفضته وزارة التموين خلال (50) عاماُ، الأمر الذي شتت المواد وبعثرها، وأصبحت عملية رقابتها صعبة جداً وشبة مستحيلة..!
مع الإشارة إلى دخول أعضاء المكاتب التنفيذية في المحافظات، على خط توزيع المواد على المحطات والمحال، أفقد عملية التوزيع الدقة.. حيث تقودهم أهواؤهم المختلفة إلى عدم الإنصاف بالتوزيع..!
4- السماح لجيوش من المستوردين بإدخال واستيراد المواد، دون ضوابط، واستبعاد مؤسسات الدولة من الاستيراد، وعلى سبيل المثال لا الحصر: (الفروج)
- مؤسسة الدواجن بمفردها كانت تستورد الصيصان بوثائق رسمية.
مؤسسة الوقاية التابعة لـ (وزارة الزراعة) كانت تستورد اللّقاحات بوثائق رسمية.
- مؤسسة الأعلاف كانت تستورد الأعلاف حصرياً بوثائق رسمية.
فكانت اللجنة المشتركة بين التموين والزراعة، تقوم بتسعير الفروج بناءً على التكلفة الفعلية وتضيف هامش الربح، بعد حسم نسبة النفوق، فلا يستطيع أيّ من المربين أن يشكك بالتسعير الصادر.. لكن حالياً يوجد مئات المستوردين خارج مؤسسات الدولة، ومن جهات مختلفة، وبذلك يختلف السعر، ولم يعد هناك مجال لوجود أي ضابط سعري، ولجان المحافظات تعتمد السعر التأشيري من المداجن ومكاتب بيع الفروج فقط..ّ؟
الاقتراحات
1- إعادة النظر بقرارات تحرير أسعار، وإعادة التسعير المركزي ولاسيما للمواد الأساسية.
2- إعادة النظر بتنظيم موضوع تنظيم استيراد المواد، عن طريق مؤسسات الدولة المواد بشكل حقيقي وليس وهمياً.
3- ايجاد طريقة مناسبة للوضع الراهن، في ضبط عملية التسعير، بحيث تشترك غرف التجارة والصناعة بلجان التسعير المركزي وفق الآلية التي يجمع عليها الاقتصاديون.
4- محاولة توزيع المواد الأساسية بموجب بطاقة تموينية، وبأسعار مقبولة وبأرباح رمزية تمكن الطبقة الفقيرة من الحصول على تلك المواد، ونخص بالذكر: (سكر- رز- زيت- شاي- مازوت- غاز- سمن- برغل- عدس...).

لا شكّ أن استعادة دور الدولة، والقطع التام مع السياسات الليبرالية الاقتصادية الاجتماعية بات ضرورة لتخفيف معاناة المواطنين ولاستعادة اقتصاد الوطن جزءاً من عافيته..