أسئلة بطعم الوجع: إنجازاتنا الرياضية مجرد «فورات»!!
بسام جميدة بسام جميدة

أسئلة بطعم الوجع: إنجازاتنا الرياضية مجرد «فورات»!!

عندما أقدمت منذ عدة سنوات على البدء بكتابي (عائلات رياضية) وأصدرت الجزء الأول منه، كنت أرمي للدلالة على أمور كثيرة لتصب في منهج التحليل العملي لمثل هذه الحالات خصوصاً وأنني رصدت الكثير من العائلات المتفوقة محلياً وعربياً وقارياً في بلدنا الذي يزخر بالكثير من المتفوقين ليس في المجال الرياضي وحسب بل في مجالات أخرى كثيرة.

وقد ضمنت الكتاب تحليلاً علمياً لحالات التفوق الرياضي من خلال وجود عائلة فيها عدة أشخاص يمارسون الرياضة ويتفوقون فيها، وما هو تأثير زواج رياضي برياضية وهل يمكن أن ينجبا أفراداً رياضيين بالفطرة ويملكون جينات خاصة بهم، وما هو دور الرياضة في المجتمع وتأثيرها على السلوك الإنساني، وما هو دورها في مسيرة الدول، وقد أوردت بعض الدلائل على هذا الموضوع ووعدت باستكماله في الأجزاء القادمة من الكتاب للاستفادة القصوى في خلق جيل رياضي متفوق.
أمثلة للتفوق
في الجزء الأول من الكتاب الذي طفت به غالبية المدن السورية رصدت الجزء اليسير من هذه العائلات ومنهم: عائلة معلا وعرفات وتقي الدين والبلح وتميم والبني وجمول في دمشق، وعائلة مشعان ومرهج والعبدالله من دير الزور، وعائلة العجان وعابدين وزيدان ومخزومة من اللاذقية، وعائلة الغرير واليبرودي والحسن وسلامة من حمص، والبجبوج ومسالمة والكراد والبيازيد من درعا، وعائلة الشمالي والأغا والصالح والبشلاوي من جبلة، وعائلة الراشد والمصري من حلب، وغيرهم من العائلات التي لم تسعفني الذاكرة بذكرهم، ودونت لحياتهم الرياضية كنوع من التوثيق التاريخي للرياضة السورية، وكدليل على صوابية الرأي في توريث التفوق العائلي، وحاولت جاهداً أن يتم الاستفادة منه في حياتنا العملية لتأسيس رياضة علمية.
الأكاديمية الرياضية
كلنا يعرف بوجود أكاديمية رياضية في سورية لكن الكثيرين يجهلون ماذا قدمت للرياضة السورية من عمل من أجل بناء جيل رياضي متفوق ومبني على أسس سليمة، كما أنه هناك مشروع «البطل الأولمبي» الذي من المفترض أن يتم من خلاله صنع أبطال رياضيين على مستوى عال عبر انتقاء الموهوبين منذ الصغر ورعايتهم بشكل جدي وصحيح ووفق أساليب علمية، خصوصاً أن هذا المشروع مدعوم مادياً من اللجنة الأولمبية لهذه الغاية، التي لم نر نتائجها الملموسة على أرض الواقع حتى الآن؛ وربما تتعجبون وترسلون ألف إشارة استفهام لغياب فاعلية هذين المشروعين، ولكن فعلاً لا أملك الإجابة الحقيقية لذلك سوى الإشارة إلى واقعنا الرياضي الذي لا يسر عدواً ولا صديقاً.
تفوق نسبي
رب قائل كيف لهذه الإنجازات التي يتم الحديث عنها من قبل المسؤولين جاءت وهل جميعها وليدة المصادفة، وهل هناك وراءها تخطيط علمي وممنهج وتحضير مكثف وعالي المستوى، وخبراء يجيدون صناعة الأبطال بحرفية عالية؟
هنا لابد من القول إن غالبية إنجازاتنا الرياضية هي مجرد فورات وأن كانت تتم في حضن أنديتنا واتحاداتنا، ولكنها ليست نتاج عمل طويل ودؤوب، وحتى لا أنكر على الأبطال بطولاتهم ولا على البعض جهودهم أقول هناك فعلاً حالات موجودة ورفعت علم البلاد عالياً في المحافل الدولية والقارية، ولكنها مجرد حالات لا تؤكد وجود إستراتيجية رياضية يمكن أن يتم التعويل عليها وإرجاع تلك البطولات لها لأنها في الأصل غير موجودة.
المراوحة في المكان
عقود طويلة من الزمن ونحن نمارس الرياضة ونتغنى بتفوقنا فيها على أقراننا المقربين، وبالسنين نفسها كان غيرنا يمارس الرياضة، والاختلاف بيننا وبينهم أنهم يحاولون أن يعملوا شيئاً لافتاً مبنياً على أسس صحيحة وقد استطاعوا إلى ذلك سبيلا وحققوا إنجازات كثيرة في ألعاب عديدة، بينما بقينا نحن نراوح في مكاننا وكلما تعبنا وقفنا نستريح وغيرنا يسير، وبقيت إنجازاتنا مجرد بطولات من وهم، كوننا لم نرسم لمستقبلنا الرياضي أي أفق، وبقيت رياضتنا تعيش على مبدأ العمل كل يوم بيومه، وتغيّرت الكثير من القوانين والمراسيم ولكن لم يتغيّر التطبيق ولم تتغيّر العقلية التي تسير عليها رياضتنا وبقينا في حالة تراجع، والوجع الرياضي ينهك جسد كل الألعاب التي تشكو قله الدعم المادي وغياب الاستثمارات وعدم وضوح الرؤية للاحتراف الصحيح، وغياب الاستقلال المادي، وعدم الاستفادة من الكفاءات والكثير من الأمراض التي باتت مزمنة ولم يتم التوصل إلى حل لها طوال تلك العقود وحتى الآن.