من الذاكرة: كان... ياما كان!

من الذاكرة: كان... ياما كان!

مما كتبه الرفيق المحامي بشار موصلي قبل قرابة ثلاثين عاماً. وهو واحد من سبعة طلاب جامعيين، جمعتهم «نظارة» مديرية الشرطة والأمن العام بدمشق في عهد ديكتاتورية أديب الشيشكلي أوائل خمسينيات القرن الماضي، ليقضوا فيها أربعين يوماً، ثم وبأمر من مدير الشرطة إبراهيم الحسيني نقلوا بسيارة بيك آب عسكرية وهم مقيدون بالأغلال إلى تدمر ليزج بها في سجن سرية التأديب الصحراوي الرهيب لفترة طويلة وقاسية، والطلاب هم سميح الجمالي وخالد الكردي (ويطلقون عليه لقب الزعيم) وجرجس الهامس وعبد الرزاق شركس وفاضل الطائي وعطا الله قوبا وبشار: 

«عن الأمس البعيد الذي كان البارحة، حين كنت في سن العشرين كنت أرى بين هذا السن وبين أيامي التي أحياها الآن محيطاً واسعاً وعميقاً من الزمن، وما كنت أتوقع أن أصل إلى سن الخامسة والخمسين، فرغم كل الإيمان بالعلم الذي أعتنقه منهجاً، كانت نبوءة «العراف» الدمشقي الأرمني الهوية، تقلقني وتبعث الخوف من دنو ساعة الموت ويومه الذي حدده لي عند بلوغي سن الأربعين، هذه النبوءة كانت تطمئنني إلى أنه طالما أن للموت ساعة، فلأغتنم فرصة الحياة إلى أعلى درجاتها». 

وأنا بدوري انتابني هاجس مشابه أيام كنت في الثانية والعشرين من عمري، أقلقني لسنوات عديدة، فقد أحسست، أو خيّل لي إحساس، بأني لن أعيش طويلاً، ولن أتخطى سن الخامسة والثلاثين، ولكن الخمسة والثلاثين عبرت، وعبر بعدها ضعفها وأكثر ومازال العمر يتابع توالي أيامه، والعزيمة لم تفتر، وما برحت تستحثني إلى مزيد من العمل والعطاء، طالما ظلت عروق الدم في جسدي تنبض بالحياة.

وها أنذا أتصفح العدد (80) من قاسيون نشرة اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوري بدمشق، أيلول عام 1983 ذلك العدد الذي تزامن مع انضمامي إلى أسرة تحرير النشرة وإسهامي بالكتابة المواظبة فيها، مع العلم أنني قبل العدد المذكور كنت أراسل النشرة بالمطالب الشعبية لبعض أحياء دمشق.

وقريباً سيهل هلال العدد رقم 680 لقاسيون الغراء وعندها سأكون- وبكل اعتزاز- قد ساهمت في تحرير ستمائة عدد- بالتمام والكمال- من هذه النشرة التي صدرت في عام 1967 وانطلقت لتصبح صحيفة معروفة، لها حضورها المؤثر والفاعل والمحترم في ميدان الإعلام الوطني، كيف لا؟، وهي الرافعة بكل جدارة واستحقاق وصدق راية النضال الوطني والطبقي، وشعار كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار.

هذه الصحيفة التي أصدرها الشيوعيون السوريون بناء على قرار المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي في 18/12/2003، وصارت الناطقة باسم حزب الإرادة الشعبية بقرار المؤتمر الاستثنائي التاسع في 3/12/2011.

والعمر مازال في أوله.