صناعات تراثية تُقتل في مهدها..!
الوحدات الارشادية التي أقيمت في المحافظات السورية وخصوصاً في الأرياف، والتي كانت تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل هي نوع من الضمان الاجتماعي، وكانت تضم مئات العاملات اللواتي لا معيل لهن.
وكانت هذه الوحدات تنتج السجاد الصوفي وتتقاضى العاملات أجورهن على المتر الواحد، وكانت هذه الأجور متدنية جداً، وحرمت العاملات من الترفيعات، ومن كافة الحقوق الأخرى التي أقرها قانون العمل في القطاع العام أو الخاص.
الانفتاح وقرار الإغلاق!
وأجرت وزارة الشؤون الاجتماعية عقودهن بصكوك استخدام، ومع سياسات انفتاح وتحرير التجارة أغرقت الأسواق السورية بكل أنواع السجاد الرخيص من كافة دول العالم، فأصاب الكساد إنتاج هذه الوحدات الارشادية نتيجة المزاحمة وارتفاع أسعار السجاد الصوفي المنتج من هذه الوحدات، حيث يبلغ سعر المتر الواحد خمسة آلاف ل.س، وهذا يعني أن ثمن السجادة يصل إلى 50 ألف ل.س، في حين أن مثيلتها من النايلون، ثمنها ألف ل.س تقريباً.
وكانت وزارة الشؤن الاجتماعية والعمل (سابقاً) قد اتخذت قراراً في تسعينيات القرن الماضي بإغلاق هذه الوحدات، وتشريد العاملات، وذلك تحت حجج واهية وهي: أن المخازن مكدسة بالإنتاج، وعدم وجود أسواق داخلية وخارجية، رغم أن نوعية السجاد فاخرة، وهذه الصناعة فلكلورية وتراثية، وقد كان من الممكن أن يصدر الإنتاج إلى دول عديدة، لو كان هناك شعور بالمسؤولية من قبل الوزارة، أو مؤسسة الصناعات النسيجية وغيرها.. من الجهات صاحبة العلاقة.
وكان أيضاً من الممكن أن تستبدل صناعة السجاد بعمل آخر كصناعة الألبسة، أو لعب أطفال، أو إعادة النظر بهذه الوحدات الإرشادية وتأهيلها مجدداً، واستبدال صناعة السجاد بورشات خياطة مثلاً.
لم تفكر الوزارة بهذا الأمر، بل اتخذت قرار إغلاق الوحدات وتشريد العاملات وإنهاء صناعة تراثية عُرفت في سورية منذ القدم.
الحرير الطبيعي أيضاً!
ما جرى للسجاد الصوفي الفاخر أصاب صناعة الحرير الطبيعي، والذي عرفت به سورية منذ آلاف السنين، فقد تم اجهاض هذه الصناعة التراثية أيضاً والمطلوبة عالمياً، بحجة عدم وجود حواضن «دود القز»، وأشجار التوت في دريكيش، حيث يتموضع مصنع الخيوط الحريرية. ويتسائل العمال هنا: لماذا لا تقام صناعة بديلة في أرض المعمل، كتعبئة مياه دريكيش أو أية صناعة أخرى.؟
طبعاً لم نتلق رداً من أية جهة كانت، ويبدو أن الاستيراد أفضل من الإنتاج في عرف بعض الجهات المسؤولة.