الرقة: الفلاحون والعاملون في الدولة على شفا «الهاوية»؟
المعاناة التي كان يعانيها المواطنون عموماً في كل أنحاء الوطن قبل الأزمة بسبب السياسات الليبرالية وتراجع دور الدولة والتي كانت من أهم أسباب انفجار الحراك الشعبي العفوي، وتحول الأمور إلى أزمة.. هذه المعاناة أصبحت مركبة حيث اتسع النهب والفساد، وتفاقم الوضع الاقتصادي الاجتماعي، وجاءت هيمنة المسلحين التكفيريين وممارساتهم وخاصةً «داعش» وأخواتها فصارت المعاناة ثلاثية الأبعاد..!
فيما تحاول الحكومة تبرير رفع سعر الخبز تحت حجج واهية، تحاول بعض الأبواق الإعلامية الرسمية وغير الرسمية إخفاء النهب والفساد عبر استيراد القمح والطحين بأسعار تفوق الأسعار العالمية، وتزيد كثيراً عن سعره المقدم من روسيا وإيران، وتحاول تحميل الفلاحين ذلك بنشر أرقام وهمية عن حجم إنتاج هذا العام من محصول القمح بأن تقديره هو حوالي 3 ملايين طن والمورد منه فقط 480 ألف والسبب بعدم توريد الفلاحين لمحصول القمح لهذا العام.
الوقائع والحجج الواهية
بينما الوقائع على الأرض تبيّن أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية على الأقل قد خرجت من الزراعة بسبب العنف المتبادل وتهجير الفلاحين وخروج كثير من مشاريع الري من الخدمة..
وعلى سبيل المثال في محافظة الرقة خرج مشروع بئر الهشم والذي مساحته 28 ألف هكتار من الزراعة بسبب توقف مضخات الري، وبقي فقط المشروع «الرائد» ومساحته 14 ألف هكتار ومن اضطر من الفلاحين للزراعة ممن بقوا في أراضيهم، اكتفى بما تسمح له الظروف وقدراته المادية نتيجة ارتفاع تكاليف الزراعة أضعافاً مضاعفة.
ناهيك أنّ كثيراً من الحقول تعرضت للحرق المتعمد أو نتيجة العنف المتبادل، كما أنهم لا يستطيعون تسويق محصولهم بسبب عدم وجود مراكز استلام في المحافظة، وتقطع الطرقات إلى دير الزور وهيمنة المسلحين عليها، مما أدى إلى وقوعهم تحت سيطرة تجار الأزمة، الذين يشترون المحصول بطريقتين:
- الأولى بالدفع النقدي بسعر حوالي 30 ليرة ثمن الكيلو غرام.
- والثانية بسعر مؤجل حوالي 35 ليرة على الفاتورة أي بعد بيع التجار لما يشترونه وتسويقه للدولة بمبلغ 45 ليرة بالتعاون مع الفاسدين.. وغالبية الفلاحين لم يبيعوا محصولهم إلاّ من اضطر للحصول على قوت يومه..!
العاملون في الدولة دون رواتب
بعد الاستيلاء على الرقة في الشهر الثاني من العام الماضي، من قبل تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام- داعش» والذي أثار كثيراً من الأسئلة، بقيت غالبية دوائر الدولة تقوم بعملها، حيث استمر العاملون فيها بممارسة أعمالهم، وكانوا يقبضون رواتبهم من محافظة دير الزور.. إلاّ أنه منذ ستة أشهر لم يقبضوا رواتبهم رغم استمرار عملهم واستمرارية الدوائر وتبعيتها للدولة وتقديمها الخدمات للمواطنين كدوائر التربية والصحة والقضاء والكهرباء والماء وحتى الكليات التابعة لجامعة الفرات، وإن كانت تحت سيطرة داعش..
الهروب من المسؤولية
لا شكّ أنّ معاناة الفلاحين والعاملين في الدولة وبقية المواطنين، باتت أقرب إلى الكارثة الإنسانية وأن من يتحمل مسؤوليتها الحكومة كما المجموعات المسلحة.. وأن اتهام الفلاحين بأنهم ناكرو جميل، وأنهم لم يوردوا محصول القمح للدولة ويبيعونه للتجار بأكثر من سعر الدولة هو اتهام باطل وهروب من المسؤولية وتبرئة لقوى النهب والفساد.. وأنّ عدم إعطاء العاملين في الدولة رواتبهم لمدة ستة أشهر هو جريمة بحقهم.. وأنّ استمرار هذه الممارسات بحق الفلاحين والعاملين في الدولة يساهم ليس في زيادة الاحتقان وارتفاع التوتر وإنما يدفعهم للالتحاق بالمجموعات المسلحة..
لذا لابد من حلول اسعافية فورية بتقديم مواد الإغاثة لأبناء محافظة الرقة وصرف رواتب العاملين في الدولة، وتوفير كل السبل للفلاحين لبيع محصولهم وتسويقه.