الشركة العامة للأسمدة.. أمام ما هو «أخطر» من القصف والتخريب!!
لم تتعرض أهم وأبرز شركة في سورية، وهي الشركة العامة للأسمدة، لم تتعرض للقصف بالهاون خلال الأحداث التي تجري في سورية، ولم تتعرض للسرقة والتخريب في الأعوام الثلاث الماضية، وإنما تعرضت منذ إنشائها قبل أكثر من 30 عاماً لما هو أخطر من القصف والتخريب على مرأى من الحكومات السابقة وكافة الجهات الوصائية الأخرى.
منذ أكثر من 20 عاماً قلنا بصوت مرتفع.. أوقفوا هذا الخراب في شركة من كبريات الشركات الصناعية في سورية والتي يقع على عاتقها مسؤوليات كبيرة والتي يجب أن تكون دعامة اقتصادية لبناء سورية ليس في تغطية حاجة القطاع الزراعي من كافة أنواع الأسمدة المستخدمة وحسب وإنما في التصدير لتأمين جزء من الحاجة إلى القطع الأجنبي.
الخراب الكبير والوقائع
ونقولها الآن.. اوقفوا الخراب بتشكيل لجنة اقلاع عليا برئاسة المدير العام الحالي المهندس هيثم شقيف، والذي كان مديراً عاماً لمدة عامين واتخذ اجراءات هامة أدت إلى زيادة الإنتاج وتأمين حاجة سورية من السماد وقطع أرزاق الذين نهبوا الشركة بالمليارات في سنوات سابقة، ولكنه عزل من موقعه وبقي في بيته لأكثر من عشر سنوات مجمداً، وقبل أشهر صدر قرار عن رئيس الوزراء بعودته مديراً عاماً.
ألف باء الاصلاح عودة المدير الحالي إلى موقعة.. ولكن هذا لا يكفي، فالشركة التي تحوي أصولاً ثابتة بقيمة مليار دولار وكان عدد العاملين فيها يقدر بنحو أربعة آلاف عامل كانت تتراجع عاماً بعد آخر.. تنهب منذ تأسيسها والنهب بالمليارات:
- استجرار مواد أولية مخالفة للمواصفات، ومثال على ما تقدم ما يلي: (شحنة كربونات بوتاسيوم مستوردة وتدخل المستودعات وتكون مواصفاتها مغايرة للمطلوب، وتُرسل عينة إلى مخابر باريس تكون النتيجة سيئة ولا تصلح للاستخدام- استيراد مضخات مع محركات وقطع تبديل من قبل متعهد رفضت هذه القطع جميعها وأعيدت لمستودعات الشركة).
- في سنوات عديدة تراكمت مواد أولية في المستودعات بآلاف الأطنان بمواصفات رديئة، وكانت الاتفاقيات تتم بين أكثر الإدارات التي تواكبت على الشركة وعشرات المتعهدين والسماسرة والتجار الذين كانوا يتزاحمون على أبواب الشركة للحصول على دفاتر فض العروض واستيراد مواد أولية وقطع تبديلية من الشركات الغربية بحصص وباتفاق مع عشرات المدراء في الشركة.
هذه مجرد أمثلة بسيطة من خلال آلاف الوقائع الأخرى عن الفساد والنهب العام في الشركة الهامة.
خسائر بالمليارات!
الشركة متوقفة عن العمل وأصبح عدد العمال بالمئات بعد أن كان بالآلاف، وتبيّن الميزانيات التجارية للشركة أن الخسارة بلغت ستة مليارات ل.س من عام 1979 حتى عام 1999، وقد تضاعف هذا الرقم مرات حتى العام الحالي، أما الخسائر الاقتصادية فتصل سنوياً إلى أكثر من مليار ل.س.
وكانت أكثر الإدارات تعزي ذلك إلى سوء التصميم وقدم المعدات، بينما يقول الواقع عكس ذلك تماماً فالأسباب الحقيقية تتمثل في الهدر في المواد الأولية أولاً والهدر في استهلاك قطع الغيار والفساد والعمولات لحفنة من التجار والسماسرة ومدراء وإداريين في هذه الشركة.
التبريرات واستمرار الفساد
كان يمكن لهذه الشركة لو كانت في أيد أمينة أن تكفي القطاع الزراعي في سورية وأن تصدر، ولكن لم تتوقف سورية عن استيراد الأسمدة، وكان إنتاج الشركة لا يغطي سوى 40% من الحاجة وهذا عن سابق قصد وتصميم وذلك لتبرير الدور الذي قام به التجار والسماسرة منذ الثمانينيات من القرن الماضي لاستيراد الأسمدة تحت حجة أزمة القطع وعدم توفرها، لذلك فرضوا الأسعار التي أرادوها.
ومن هنا ظهرت السوق السوداء والحالات الاحتكارية من شركاء التجار والسماسرة وقد دفع الثمن الفلاح والقطاع الزراعي من خلال فقر الفلاح وانخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية الأساسية سنة بعد أخرى وخصوصاً بعد تحرير التجارة والانفتاح عدم توفر مستلزمات الإنتاج بالكامل وبالطرق النظامية ولكنها موجودة في السوق السوداء وبأسعار مرتفعة.
الاتفاق العجيب
آخر ما توصل له العقل الاقتصادي في سورية اتفاق مبرم مع شركة «لاسكو» اللبنانية لتوريد وتركيب وتشغيل معمل متكامل لإنتاج الرخام المسطح بطريقة (التقويم/ فلوت).
بتاريخ 2010 تلتزم شركة الأسمدة بتسليم شركة لاسكو اللبنانية أسمدة من الأنواع يوريا وسوبر مؤسكات الثلاثي بقيمة تعادل اثنين وعشرين مليوناً وأربعمائة وثلاثة وسبعين ألفاً وسبعمائة وواحد وتسعين يورو، لقاء إقامة معمل الزجاج والأسعار كانت منخفضة «11 ألف للطن، 14ألف، 15 ألف» سلمت الأسمدة ولم يقم معمل الزجاج!! في حين كان الفلاح السوري يشتري السماد بالسوق السوداء من إنتاج الشركة ومن لبنان والأردن.
لم تسأل أية جهة وصائية عن هذا الاتفاق وانعكاساته ولم تحاسب إدارات اغتنت من خلال الشركة، وقد حاولنا الاتصال بالمدير الحالي للشركة ولم يرد على الاتصالات، وهو أمام مسؤولية كبيرة تقتضي من الجهات الوصائية إنقاذ هذه الشركة من واقعها المزري.