من الذاكرة: أشكر لكم فضلكم
كعادة أغلب الناس أيام زمان, ضمتنا كأسرة سهرتنا المعتادة التي لا تطول كثيراً بحكم قاعدة ذلك الوقت «نام بكير واصحا بكير» نتسامر ونحن نتناول الفواكه والـ«نقرشة» نستمع إلى أخبار وطرائف وقصص ونمارس بعض الألعاب المبهجة, ويدلي كل منا بدلوه, ولما «جاء» دوري لأسرد قصة جرت معي قلت:
«قبل ثلاثة أشهر وبعد مشاركتي في مباراة بكرة القدم في ملعب المزرعة- مكان ساحة القيادة ومديرية صحة دمشق اليوم- اتفقت مع صديقي حسين على أن نذهب يوم الجمعة القادم لزيارة «القصير» مشفى ابن سينا للأمراض العقلية حالياً, وفي الوقت المحدد انطلقت مع حسين من ساحة المرجة بواسطة «الترمباي» إلى بلدة دوما ومنها سيراً على الأقدام إلى المستشفى المذكور, لنشاهد مناظر لقاءات الأهالي بأبنائهم المرضى المضحكة المبكية, ولفت انتباهنا وجود شاب مجنون يجلس وحيداً يتمتم بكلمات غير مفهومة, اقتربنا منه وسلمنا عليه, فوقف وحيانا مصافحاً وقد غمره السرور, وسألنا «من وين الشباب» فأجبناه «نحن من الشام» فقال «بتعملو معروف وبتخدموني بطلب» فقلنا: «أمرك.. طلوب شو بتريد» فقال «أنا والله يا شباب مالي مجنون.. متل ما قال عمي زوج أمي, والدكاترة فحصوني, وقالولي بعد عشر تيام رح تخرج من هون, وأنا بترجاكم إنو تخبرو أمي بهل الكلام, وبكون فضلتو علي كتير»، ودلنا على بيته قرب باب «مصلى» بحارة الميدان, وعند انتهاء وقت الزيارة العامة عدنا إلى الشام, ولم نخبر والدته لقناعتنا أنه مجنون.
وبعد قرابة شهر, كنا وصديقي حسين نسير في منطقة باب السريجة, فإذا بنا وجهاً لوجه مع ذلك الشاب الذي اندفع نحونا محيياً بلهفة وحرارة, ثم عاتبنا لعدم تنفيذ رجائه, فأحسسنا بالخجل والأسف الشديد, ومشينا معاً نستمع إلى حديثه وهو يشرح لنا تفاصيل ما جرى معه, وفي باب «مصلى» توقف أمام بيته الذي سبق ودلنا عليه, ودعانا لشرب فنجان قهوة عنده».
وعندما وصلت بقصتي إلى هذا الموضع, أخذ أهلي الذين يتابعون القصة وبخاصة النساء, يقولون مضطربين «لك شلون بتروحو معه الله يهديكم.. شلون بتساوو هيك».
المهم تابعت القصة وقلت: «ترددنا قليلاً ثم دخلنا وجلسنا في غرفة الضيوف, وخرج ليحضر القهوة ويقدمها لنا, وعندما تناولنا الفناجين, رمى وبقوة «الصينية» على الأرض وهدر متوعداً «شو فكرتوني مجنون» واندفع غاضباً من الغرفة فسارعنا للهرب, وإذ به يواجهنا وبيده قضيب من حديد فعدنا إلى الغرفة وأغلقنا الباب وأسندنا ظهورنا إليه, وأخذنا نصرخ بأعلى أصواتنا على الجيران.. أن انقذونا من هذا المجنون.. وهو يزداد جنوناً, ثم اقتحم الباب وهوى بقطعة الحديد على وجهي, فانتفضت من الألم, ونهضت مذعوراً من هذا «المنام» الكابوس, لأرى نفسي سليماً معافى, وما رأيته كان حلماً مزعجاً»