من الذاكرة : الحاملون همومنا في قلوبهم

من الذاكرة : الحاملون همومنا في قلوبهم

اتصالات هاتفية عديدة تلقيتها أثناء الأسبوعين الأخيرين، إضافة للقاءات كثيرة جمعتني بأصدقاء أعزاء من مستقلين لا حزبيين، ومن أعضاء في أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ومن خارجها، دارت خلالها أحاديث ساخنة حول البيان الذي أصدرته جبهة التغيير والتحرير، وأوضحت فيه موقفها الوطني المسؤول من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها قريباً

ضمن هذه الظروف المأزومة التي لن تتيح أن تكون شاملة لأصوات عموم الناخبين السوريين وبعموم المناطق السورية بحكم الأعداد الكبيرة للنازحين واللاجئين في دول الجوار والخارج، وبحكم خروج عدد من المناطق السورية عن سيطرة الدولة، ولن تكون تعددية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وستزيد الوضع تأزماً واحتقاناً وانقساماً. وقد أعرب الكثير منهم عن تفهمه واقتناعه بصواب هذا الموقف، وقد أعادتنا حرارة أحاديثنا إلى استحضار مواقف مشابهة وقفها الوطنيون السوريون ومنهم الحزب الشيوعي السوري إزاء أحداث فائقة الأهمية، كالموقف من الوحدة السورية المصرية عام 1958، الذي تجسد في ضرورة أخذ الظروف الموضوعية لكلا البلدين بعين الاعتبار، ولا سيما البنود الهامة الثلاثة عشر التي أعلنها الحزب، ورأى فيها أساس نجاح الوحدة المنشودة، ويمكن اليوم لأي مهتم أن يعود إليها ليتبين صحتها ودقتها، وليرى الخطأ الفادح الذي وقع بسبب عدم الأخذ بها، والثمن الباهظ الذي دفعه الشعب في كل من سورية ومصر بوأد هذا الحلم الجميل.
ويحضرني الآن شاهدان آخران، الأول يعود إلى عام 1955 وقد جرى تحت قبة البرلمان، يوم وصلتْ لمجلس النواب عريضة من قرية «الكسوة» تطالب بصهريج لتأمين مياه الشرب للآلاف من السكان المحرومين منها، فوقف الرفيق خالد بكداش ليقول في كلمته حول هذا الطلب العادل والمشروع : «مثل هذا البناء «البرلمان» - مشيراً بإصبعه إلى البناء الفخم – كثير على بلد يوجد فيه تجمع سكاني على بعد 10 كم من دمشق، الناس فيه يشكون من العطش»، فردّ رئيس المجلس ناظم القدسي متذاكياً «إذن فلنبع هذا المبنى ونشتري به «طرنبات»»، فأجابه الرفيق خالد «إذا كنا سنحفر آباراً من أجل هؤلاء السكان ، فلا مانع من ذلك لشراء هذه الطرنبات”.
والشاهد الآخر، هو مواقف الحزب الجريئة ضد التعامل مع شركات النفط الغربية وبخاصة الأمريكية، تلك المواقف التي أدى تجاهلها وعدم الأخذ بها إلى تكبيد شعبنا خسائر فادحة جراء نهب تلك الشركات «العلني» للبترول السوري. 
وهكذا تثبت الحياة أن الأولوية بالنسبة للوطنيين كانت وستبقى مصلحة الشعب والوطن، فهي الأوجب والأهم.