سهل الغاب على عتبات كارثة إنسانية

سهل الغاب على عتبات كارثة إنسانية

من أهم تداعيات الأزمة التي تمر بها البلاد ما لحق بالقطاع الزراعي من خراب وتهميش، حيث بيّنت الأزمة بشكل فاقع عجز المؤسسات الزراعية عن إدارة هذا القطاع، ورغم أهميته الكبيرة في تأمين الأمن الغذائي للبلاد فمازالت هذه المؤسسات رغم الأزمة تتعاطى مع هذا القطاع وكأن شيئاً لم يكن.

فمن المعروف أن سهل «الغاب» مساحته بحدود 140 ألف هكتار، يقطنه 350 ألف نسمة يمارس معظمهم العمل الزراعي أو تخديم العملية الزراعية، ويساهم بإنتاج المحاصيل الإستراتيجية من قمح وشوندر وقطن وبعض المحاصيل العلفية وأنواع من الخضار والفواكه، وهو ذو إنتاجية عالية حيث معظم أراضيه تزرع لدورتين زراعيتين في العام.

«التأجيل» حبر على ورق

ونتيجة الأزمة التي تمر بها البلاد وتلف كثير من المحاصيل لعدم تمكن الفلاحين من ريها أو جنيها نتيجة فلتان المجموعات المسلحة في المنطقة، صدر قرار بتأجيل مديونية مستلزمات إنتاج موسم القمح لعام 2013، واستبشر الفلاحون خيراً بهذا الإجراء.
وفعلاً لم يتم اقتطاع مديونية إنتاج القمح من الفلاحين والجمعيات الفلاحية، ولكن بعد شهر ونصف أثناء صرف إنتاج محصول الشوندر من قبل المصرف الزراعي لعام 2013 قرر المصرف بعدم صرف قيم محصول الشوندر، إلا بعد أن يتم تسديد المديونية المترتبة على الفلاحين من إنتاج القمح والشوندر معاً، مما زاد من معاناة الفلاحين وجمعياتهم الفلاحية من حيث تأمين المبالغ المترتبة عليهم لتسديدها للمصرف الزراعي.

بين «القرارين» شهر فقط!

وزاد من خيبات الأمل والمعاناة إصدار قرار رقم (7379/8) تاريخ 8/10/2013، الذي يفرض بيع مستلزمات الإنتاج من بذار وسماد للإخوة الفلاحين نقداً بدلاً من القرار رقم (37/م) تاريخ 10/9/2013 المتضمن بيع الفلاحين مستلزمات الإنتاج ديناً.
وهذه القرارات الصادرة تعكس عدم قدرة المؤسسات المعنية بالشأن الزراعي من إدارة هذا القطاع في ظل هذه الأزمة الكارثية حيث بين القرارين شهر فقط، والقراران متضادان بمضمونهما.

أسعار «خمس نجوم»

وهنا وقع الفلاحون في قبضة تجار الأزمات، حيث بيعت لهم مستلزمات الإنتاج من بذار وسماد بأسعار خمس نجوم، وكأن الفلاحين يشترون هذه المواد للسياحة وليس لزراعة أرض الوطن.
وللتذكير قامت منظمة «الفاو» بتوزيع بذار القمح والشعير بنفس العام لفلاحي 23 قرية في منطقة «الغاب» على أساس جداول مرفوعة من مديرية الزراعة، علماً بأن القرى التي بحاجة لهذه المساعدة أضعاف ذلك، واستثني من التوزيع كذلك فلاحو مدينة «السقيلبية» التي يوجد فيها جمعيتان فلاحيتان تعتبران من أكبر الجمعيات وأنشطها في الإنتاج الزراعي، والضرر لحق بهما كما لحق بالجمعيات الأخرى.

الجفاف والصقيع والإهمال الحكومي

وجاء شتاء 2013 – 2014 الذي أطبق بثقله على صدور الفلاحين حيث الهطولات المطرية كانت بحدود 175 ملم، بينما مستواها الطبيعي بحدود 600 ملم سنوياً مما عرض المحصولين الرئيسين القمح والشوندر إلى موجة جفاف غير مسبوقة، لحقها موجة صقيع مما أدى إلى تلف كبير بالمحصولين.
وكان من الممكن إنقاذ جزء كبير من المحصولين لو أن الجهات المعنية المسؤولة في كل من مؤسستي الزراعة والري قامت بجولات على الأراضي المزروعة بالقمح والشوندر، وأوعزت بإطلاق المياه من السدود قبل 15/2/2014، فنسبة التلف في المحصولين تصل إلى 80 – 90 % وهذا يهدد بكارثة إنسانية في المنطقة وكارثة غذائية على صعيد الوطن.
فالعاملون من فلاحين وعمال زراعيين لم يعد لديهم القدرة على تمويل أراضيهم للموسم الصيفي والشتوي المقبل، إذا بقي المصرف الزراعي مصرّاً على تمويل الجمعيات الفلاحية والفلاحين بمستلزمات الإنتاج نقداً، وهذا يهدد بهجرات واسعة من الفلاحين والعمال الزراعيين، وبالتالي خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من عملية الإنتاج.

هل من مجيب لمطالب الفلاحين؟

فهل من مجيب لمطالب الفلاحين بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم بسبب الجفاف والصقيع، وهل من رادع يردع المتنفذين بأقسام الزراعة لوضعهم العصي بالعجلات لعدم إرسالهم اللجان المفرزة لتقدير الأضرار حتى الآن. كما يطالب الفلاحون بـ:
• وقف العمل بالقرار 7379/8 تاريخ 8/10/2013 المتضمن بيع مستلزمات الإنتاج نقداً، ومنح الفلاحين قروضاً زراعية طويلة الأجل بدون فوائد.
• إعادة النظر بجدول الاحتياج من مستلزمات الإنتاج للمحاصيل الزراعية بحيث يغطي حاجة الفلاح الحقيقية ومنع وقوعه في براثن التجار والمرابين.
• إعطاء الفلاحين سلل غذائية دورية عن طريق منظمة الهلال الأحمر بالتعاون مع مجالس إدارة الجمعيات الفلاحية بشفافية ودون تمييز.
• إعادة جدولة الديون المترتبة على الفلاحين لدى المصرف الزراعي التعاوني.