مدن سورية بلا كهرباء و مياه.. والحلول «مؤجلة»
تركت الأعمال التخريبية التي طالت خطي «الغاز العربي» وغاز «العمر» المغذيين لمحطات التوليد، المنطقة الجنوبية من سورية (دمشق وريفها والسويداء ودرعا والقنيطرة) في ظلام حيث وصلت ساعات التقنين إلى 20 ساعة في اليوم مما ترك أثراً واضحاً على الحياة اليومية للمواطنين، وخاصة في موضوع تأمين المياه لمنازل السوريين.
يتميز عام الـ2014 بشح الأمطار المتساقطة على سورية حيث تعاني معظم المدن السورية من انخفاض بمستوى المياه الجوفية، لكن ما يزيد معاناة سكان مدينة دمشق وريفها هو اعتماد محطات ضخ المياه على المولدات الكهربائية لإيصال المياه إلى الأحياء والمنازل، حيث تسبب الانقطاع الطويل بالتيار الكهربائي إلى انقطاع المياه عن عدد من أحياء دمشق وريفها خاصة في مدينة صحنايا وبلدات جديدة عرطوز البلد والفضل وعرطوز.
لا كهرباء لا ماء!
تقول «أم خالد» لقاسيون «نحن في مدينة صحنايا نعاني في كل مرة ينقطع فيها التيار الكهربائي من انقطاع المياه نهائياً عن المنازل مما يتسبب بأزمة حقيقية في المنطقة، بحيث يصبح من الصعوبة الحصول على المياه المعدة لكافة الاستعمالات وخاصة مياه الشرب، وفي كل مرة نتلقى وعوداً لحل هذه المشكلة من قبل البلدية أو المحافظة لكن لم يتحقق أي من هذه الحلول»، وتتابع أم خالد «يمكن للمحافظة أن تقوم باستبدال المولدات التي تعمل على الكهرباء بمولدات تعمل على المازوت، وهو متوفر كي لا نبقى تحت رحمة أصحاب الصهاريج».
أتى الانقطاع الطويل والمستمر للتيار الكهربائي ليزيد من معانة أهالي جديدة عرطوز الفضل (تجمع النازحين)، وخاصة ما يتعلق بمعاناة المياه حيث تقوم وحدة المياه المسؤولة عن تأمين المياه للحي في الأوقات العادية بضخ مياه الشرب إلى المنازل بمعدل ساعة إلى ساعتين كل خمسة أيام في الشتاء وكل سبعة أو ثمانية أيام في الصيف.
المعاناة مستمرة..
وهناك عدد كبير من الأحياء التي لا تصلها المياه إلا كل عشرين يوماً، مما خلق أزمة كبيرة في الحي حيث لم يعد هناك ضخ للمياه، كما أن الصهاريج التي تبيع المياه في الحي لم تعد تستطيع جلب المياه للحي لأن المضخات التي تعمل في المناهل الخاصة التي يشتري منها بائعو المياه تعمل على الكهرباء.
يتحدث «أبو يحيى» لـ«قاسيون» قائلاً «نحن عائلة تتألف من عشرين شخصاً لا نعتمد في الأحوال العادية على المياه التي تضخها وحدة المياه في الحي لكنها كانت تحمل كتفاً، أما عندما انقطع التيار الكهربائي بتنا نحتاج إلى تعبئة عشرين برميلاً كل يومين وسعر الواحد متر مكعب بـ300 ليرة سورية (خمسة براميل) أي أننا نحتاج إلى شراء مياه بـ1200 ليرة سورية كل يومين ولا يوجد في المنزل سوى شابين هما المعيلان الوحيدان للعائلة وهما يعملان في تحميل الأغراض الثقيلة، ونحن لا نستطيع تحمل هذا العبء كله».
يتشارك في شكوى العبء المادي كل من أهالي منطقة جديدة عرطوز وصحنايا وقطنا، يضاف إلى أن الرقابة الصحية ضعيفة على المناهل التي تقوم الصهاريج بشراء المياه منها، كما يعاني الأهالي من مزاجية مالك الصهاريج وخاصة في موضوع الأسعار حيث لا توجد ضابطة تموينية لعمل هذه الصهاريج، ومالكوها هم من يقومون بوضع تسعيرة المياه.
يقول «أبو قصي»، من سكان جديدة عرطوز، «نحن نتعرض لاستغلال مالكي الصهاريج وخاصة عندما ينقطع التيار الكهربائي لأكثر من يوم، حيث يتحكمون بأسعار المياه التي قد يرتفع سعر البرميل من مالك صهريج إلى ثانٍ».
التجار والصناعيون أيضاً متضررون
يقول «أنس .خ»، وهو مالك سوبر ماركت، «إن انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة كبدنا خسائر كبيرة حيث يوجد عدد كبير من المنتجات تحتاج إلى الحفظ داخل البرادات، وهذا أمر غير ممكن حيث تفقد الثلاجات بورداتها بعد فترة من الزمن، والمولدات التي تعمل على البنزين مكلفة وكذلك المولدات التي تعمل على المازوت».
وكذلك اشتكى أصحاب محال الألبان والأجبان من الخسارة المادية الكبيرة التي تكبدوها وكذلك أصحاب محال اللحوم والخضروات حيث أدى الانقطاع الطويل إلى فساد كميات كبيرة في البضائع.
كما توقفت ماكينات الخياطة في أحد معامل النسيج في ريف دمشق منذ فترة عن العمل والإنتاج. وعن ذلك يقول «أمجد.س» «لقد توقفنا عن العمل من يومين بسبب انقطاع التيار الكهربائي مما ترتب علينا تأخير في تسليم الطلبيات المطلوب تسليمها مما ترتب علينا خسارة كبيرة من التأمين وأجور العاملين».
وللطلاب نصيب من الأزمة
مع اقتراب موعد الامتحانات العامة سواء الجامعية أو الإعدادية والثانوية فإن الطلاب وذويهم يقفون أمام مشكلة كبيرة، حيث بات على الطلاب تغيير برامجهم الدراسية. وقلت ساعات دراستهم بسبب عدم توفر المصادر البديلة لتوليد الطاقة لدى الشريحة الواسعة من السوريين.
وعن هذه المعاناة يقول «جمال»، طالب بكالوريا، «اضطررت لتغيير برنامجي الدراسي، وقلت ساعات دراستي وحرمت من الدراسة ليلاً، وبت أترك النور مضاء كي أعرف في أي ساعة يأتي التيار الكهربائي، فأهلي لا تسمح لهم ظروفهم المادية بشراء مولدة كهربائية كي أدرس على ضوئها».
الدوائر الحكومية متوقفة!
اشتكى عدد كبير من المراجعين للدوائر الحكومية عن توقف هذه الدوائر عن تقديم خدماتها بسبب انقطاع التيار الكهربائي وبالتالي توقف الحاسبات الآلية عن العمل، وعدم تقديم الخدمة المطلوبة للمواطنين. علماً أن العديد من الدوائر الحكومية غير مستعدة لمثل هذه الظروف.
حلول «مؤقتة» بأسعار مرتفعة
يحاول السوريون الالتفاف على الأزمات التي خلقتها الظروف الحالية حيث أبدعوا في موضوع الكهرباء، فالبعض قام بوصل أضواء صغيرة على خط الهاتف للإنارة، فيما استخدم البعض بطاريات السيارات المستعملة والجديدة للإنارة، فيما انتعش سوق مولدات الكهرباء في ظل الأزمة حيث تجاوز سعر مولدة الكهرباء الصغيرة الحجم الـ25000 ليرة سورية.
يقول «وليد»، تاجر أحذية في سوق الحميدية، «قمنا بجمع مبلغ معين من المحال التجارية المجاورة لشراء مولدة كهرباء كبيرة كي تؤمن الإضاءة لمحلاتنا، حيث أدى الانقطاع الطويل وخاصة في ساعات النهار بإحجام الزبائن عن الشراء؛ كما فرضنا مبلغاً حسب ساعات الانقطاع على أصحاب المحال من أجل شراء البنزين الذي ارتفع سعره أيضاً مما شكل عبئاً جديداً على التاجر سيقوم بتحميله على سعر البضاعة مما يعني ارتفاعاً بالأسعار على الزبائن».
الحل متوفر ولكن..
يجمع العديد من الأهالي على أن حل أزمة انقطاع المياه متوفر وممكن، فبالنسبة لموضوع ضخ المياه يمكن أن يتم التنسيق بين وحدات المياه وشركة المحروقات لتأمين مادة المازوت اللازمة لتشغيل مضخات المياه وبالتالي تأمين المياه للأحياء السكنية، فالحجة التي يواجه بها مسؤولو وحدات المياه لا يوجد لدينا كهرباء أو مازوت لتشغيل المضخات.
عانت العديد من المناطق في البلاد وعلى مدى سنوات من تردي مستوى الخدمات الذي طال حتى الضرورات اليومية لاستمرار الحياة الطبيعية كالماء الصالح للاستهلاك مثلاً، وجاءت الأزمة لتزيد الطين بلة، وإن كان لها دور كبير حقاً في تردي الخدمات، ولكنها أيضاً أصبحت بمثابة مشجب تعلق عليها الجهات المعنية كل ترهلها، وتقاعسها... وليكون المواطن الضحية دائماً.