حلب.. واستمرار «الكارثة الإنسانية»
لم يتغيّر واقع الحال المأساوي منذ أن بدأت نكبة حلب، ولكن ما تغيّر فيه هو وجوه من استشهدوا وامتلاء جيوب من استغلوا الأزمة وتراجع دور مؤسسات الدولة في تحمّل مسؤولياتها تجاه المواطنين وقضاياهم المعيشية وتوفير سبل حمايتهم وأملاكهم وكرامتهم، وشهرة من جعلوها مادة إعلامية مستغلة لأغراض شتى، فطال أمد الأزمة الطاحنة وتداعياتها الكارثية عليهم.
«واقع» سلبية الدوائر الحكومية في المحافظة وافتقارها للتخطيط زاد من وطأة الواقع المعاش على المواطنين، فتحول إلى مصيبة تضاف إلى أرتال مصائبها المتراكمة. حيث مازال واقع الماء والكهرباء سيئاً ودون مستوى الشروط الإنسانية للمعيشة، دون حسم أو تحييد لمتطلبات المواطنين عن دائرة الحرب في أطراف المدينة، مع إفشال كل المحاولات للتهدئة، التي شاعت في الآونة الأخيره والتي أفشلت أكثر من مرة.
وحدهم من يدفعون «الثمن»
مما أصاب المواطنين بالإحباط حيث صاروا وسيلة ضغط دفعوا هم وحدهم الثمن الباهظ لفاتورة الحرب، أمام فعل حكومي أقل ما يوصف «بالشلل الرباعي الذي لا شفاء منه»، ما حوّل التجار إلى ابتكار وسائل جديدة للاستغلال.
راجت في المدينة وأطرافها مولدات لتوزيع الأمبير، وصل سعر الأمبير الواحد إلى 750 ل.س لتشغيل ضوء وتلفاز فقط، ما دفع الناس للاشتراك بـ3 أمبير على الأقل لتشغيل الأدوات الكهربائية الضرورية. هذا الواقع الذي حول المدينة إلى شبكة عنكبوت كبيرة ومادة لتندر البعض «كهربا على الأمبيرات ومي عالسوتيرات، وين الحكومة»؟!
مبررات رسمية تميّع واقع الحال
ولنسأل بدورنا: أين المحافظ من أرتال المواطنين المصطفين على أبواب المساجد لتأمين المياه الصالحة للشرب المقطوعة منذ ثلاثة أيام عن المدينة، حيث تكرر ضرب خط المياه الآتي إليها من محطة الضخ في منطقة بستان الباشا.
ومن جهة أخرى تفاقمت أزمة الغاز التي لم تحل إلى الآن، والتي بررها مستثمر في «وحدات الغاز المتنقلة» على إحدى القنوات الفضائية السورية عازياً السبب «للروتين الإداري القاتل» في وزارة النفط، والتي بدورها لم ترد على هذا الاتهام ليضع المواطنين أمام أزمة حقيقية، ناهيك عن معابر «الذل» والطرق «المفتوحة/المغلقة» المرهونة بمزاجية أطراف الاشتباكات المسلحة الدائرة في المدينة وريفها، ما أدى لارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية وفقدان المواد المعيشية الأساسية.
الصحة العامة على المحك
خصصت أغلب المستشفيات الحكومية في المدينة للحالات الإسعافية والعمليات الطارئة فقط. وهذا الإجراء فسح المجال لاستغلال الأهالي وأوضاعهم الصحية من قبل المستشفيات الخاصة بأسعارها المتحررة من أي ضبط أو رقابة، كما أن سفر الأطباء إلى خارج البلاد إضافة إلى فقدان الأدوية بشكل عام في أغلب الصيدليات وارتفاع أسعار المتوفر منها، كل ذلك جعل المرضى في المحافظة أمام وضع صحي خطير.
وإن الأمر الذي زاد من معاناة المحافظة وأهاليها تحوّل الحواجز البيتونية فيها إلى تلال من القمامة التي تخمّرت تحت لهيب الشمس وتحولت لمصدر للغازات المزعجة والحشرات الغريبة التي لم نألفها قبلاً، بسبب تحللها أمام «تطنيش» وتقاعس مجلس البلدية والوحدات التابعة لها عن أداء واجباتها، وتأخرها عن رش المبيدات أو على الأقل ترحيل هذه القمامة، إن لم نقل رحمة بالمواطنين فليكن لأسباب أمنية من ناحية استغلالها لأغراض تخريبية.
«الأحد الأسود» يغرقها بالدم
تاريخ 27/4/2014 أرخ ليوم أسود هزّ مدينة حلب راح ضحيته الحجر والبشر، ناهيك عن ما صب عليها من قذائف هاون وجرات غاز «جهنم»، وتفخيخ أنفاق أدت لتدمير غرفة الصناعة ومحطة توليد الكهرباء في منطقة «السبع بحرات» بالإضافة إلى تفجير آخر في منطقة «السيد علي» الواقعة على خط موازٍ لتفجير غرفة الصناعة، ما أدى لإحداث هزة أرضية شعر بها جميع القاطنين في مركز المدينة، وهو الأمر الذي تكرر في مرات سابقة، ما يهدد المدينة في العمق بشكل أكبر مما تحدثه الانفجارات التقليدية.
ومن جهة أخرى الإجرام والإرهاب اللذان يطوقان أطراف المدينة وتصاعد أعمال العنف والاشتباكات المسلحة بين الأطراف المتصارعة، كل ذلك جعل الناس وحياتهم أسرى الحرب الدموية الدائرة المطبقة عليهم من جميع الجهات وهم الوحيدون الذين يدفعون ثمن فاتورتها الكارثية.