محافظة حمص تتراجع عن الخطأ بخطأ آخر
يوسف البني يوسف البني

محافظة حمص تتراجع عن الخطأ بخطأ آخر

في تفسير محرَّف وتنفيذ مغاير لما جاء في بنود البلاغ رقم /10/ لرئاسة مجلس الوزراء تاريخ 19/4/2004 الداعي إلى تنظيم الحرف والمهن ونقل ما يجب نقله إلى المناطق الصناعية والحرفية، وترخيص أو تسوية أوضاع المنشآت التي يمكن ترخيصها خارج هذه المناطق، قامت محافظة حمص بإغلاق وتشميع المحلات الحرفية والمهنية في منطقة وادي النضارة في ريف حمص التي تضم أكثر من إحدى عشرة قرية، لإلزام أصحابها بالانتقال إلى المنطقة الصناعية في حسياء، التي تبعد عنهم مسافة طويلة.

 

ولما كثرت الشكاوى من المواطنين المتضررين إلى وزارة الإدارة المحلية صدر عن محافظ حمص التعميم رقم 701/و/10/5 تاريخ 5/5/2010 بشأن منح أصحاب المهن والحرف مهلة زمنية ريثما يتم تجهيز المنطقة الحرفية القريبة من سكنهم، واشترط إعادة فتح المحلات غير المرخصة القائمة قبل صدور البلاغ رقم /10/ بدفع مبلغ مائة ألف ل.س عند فتح المحل ومبلغ خمسين ألف ل.س بعد ستة أشهر، توضع كأمانة في الحساب تحسم من قيمة المقسم عند إعلان الاكتتاب على المقاسم الحرفية. ثم عاد محافظ حمص واتبع هذا التعميم بالتعميم رقم 2303/ص/10/5 تاريخ 28/6/2010 شمَّل فيه المنشآت والمحلات المرخصة داخل وخارج المخططات التنظيمية بدفع مبلغ الـ150000 ل.س، علماً أن هذه الضريبة اجتهاد شخصي وغير واردة في البلاغ رقم /10/ لرئاسة مجلس الوزراء.

نشرت «قاسيون» في عددها رقم /478/ الصادر بتاريخ 13/11/2010 تحقيقاً حول عدم قانونية هذه الضريبة والضرر الكبير الذي لحق بالكثير من المواطنين بقطع أرزاقهم ولقمة عيشهم فجاء التعميم رقم 4107/ص/10/5 تاريخ 14/11/2010 الصادر عن محافظ حمص ليخفف وطأة دفع المبلغ على المواطنين في عملية التفاف واضحة على عدم قانونية هذه الضريبة. وجاء في التعميم: «السادة رؤساء الوحدات الإدارية والبلديات: لاحقاً لتعميمنا رقم 701/و/10/5 تاريخ 5/5/2010 وتعميمنا رقم 2303/ص/10/5 تاريخ 28/6/2010 وتعميمنا رقم 5906/ب/10/5 تاريخ 29/8/2010 المتعلقة بمعالجة أوضاع المهن المقلقة للراحة والمضرة بالصحة العامة والمشار فيهم إلى ضرورة تحصيل سلفة مقدارها مائة وخمسون ألف ليرة سورية على دفعتين، الأولى تسدد فوراً بمبلغ مائة ألف ليرة سورية، والثانية بعد ستة أشهر بمبلغ خمسين ألف ليرة سورية، وهذه السلفة (ستحسب) من سعر المقسم الذي (سيخصص) للحرفي في المناطق الحرفية أو الصناعية (المزمع إقامتها مستقبلاً). وسنداً لموافقة المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة بجلسته رقم /87/ تاريخ 3/11/2010 نعلمكم: موافقتنا على تقسيط مبلغ السلفة المنوه عنها آنفاً على الشكل الآتي: (وحدد التعميم شروط تقسيط المبلغ على خمس دفعات).

وتأكيداً على عدم قانونية هذه الضريبة تم رفع عريضة إلى محافظ حمص موقعة من أكثر من خمسين مواطناً يمثلون شريحة واحدة للمتضررين، وهم أصحاب مستودعات الخزن والتبريد (برادات التفاح) المقامة تحت منازلهم، وجاء فيها: «السيد محافظ حمص المحترم: مقدمه أصحاب مستودعات الخزن والتبريد (البرادات) في قرى منطقة الوادي نعرض لسيادتكم ما يلي: إن هذه البرادات وردت حسب المرسوم /2680/ لعام 1977 ضمن اسم (مستودعات الخزن والتبريد) وهي مرتبطة بمناطق الإنتاج وبأماكن سكن الفلاحين فهي مهن منزلية يعمل بها جميع أفراد الأسرة فالبرادات تقع في الأقبية أو الطابق الأرضي والسكن يقع فوقها، والفلاحون وأسرهم يعملون في الحقول نهاراً وفي البرادات ليلاً للحفاظ على مواسمهم من احتكار السماسرة والتجار وهي تحتاج إلى مراقبة دائمة، فأي عطل يحصل ليلاً قد يؤدي إلى كارثة. وبالتالي إن نقل هذه البرادات إلى منطقة حرفية بعيدة من منطقة الإنتاج والسكن يعني القضاء عليها، والقضاء على لقمة عيش الفلاحين حيث تصبح مواسمهم لقمة سائغة للسماسرة والوسطاء، وبالتالي القضاء على شجرة التفاح حيث هي الموسم الرئيسي والأساسي لهذه المنطقة والتي تعطيها الموقع السياحي المتميز. مع العلم أن معظم هذه البرادات مرخصة وهي موضوعة تحت تصرف إدارة التعبئة في الجيش والقوات المسلحة ومحددة مواقعها بدقة. فهل يجوز تجميعها في منطقة واحدة؟

وبما أن هذه البرادات هي مخازن لموسم التفاح ولا يتم فيها تصنيع أية مواد ضارة بالبيئة والصحة، لذلك نرجو عدم اعتبارها صناعة، واستثناءها من المنطقة الحرفية، وبالتالي إعفاءها من دفع مبلغ الـ150000 ل.س المحدد في تعميمكم رقم 2303/ص/10/5 تاريخ 28/6/2010». وقد حمل المعروض أكثر من خمسين توقيعاً.

إن «قاسيون» إذ تؤكد على عدم قانونية هذه الضريبة ليس فقط لمستودعات الخزن والتبريد، وإنما لكل الحرف والمهن البسيطة التي تقدم خدمات مباشرة للمواطنين، وتثير التساؤلات الكبيرة التالية:

1ـ إن الكثير من المهن والحرف التي تم إغلاقها حددها القانون 2680 لعام 1977 على أنها صناعات خفيفة من الصنف الثالث، ويمكن ترخيصها خارج المدن الصناعية وفي المناطق السكنية.

2ـ كيف تُلزِم المحافظة أصحاب المنشآت والحرف على دفع سلفة من ثمن مقاسم في مناطق حرفية لم يتم لحظها بعد على المخططات التنظيمية؟ وقد يستغرق ذلك عشرات السنوات (فهل يشتري المواطنون سمكاً في البحر؟).

3ـ من الآن وحتى إقامة المناطق الحرفية التي قد تستغرق زمناً طويلاً قد يتوقف الكثيرون من أصحاب المهن والحرف عن التعامل بها، أو مَن قد يضمن البقاء حياً إلى ذلك الحين؟!

4ـ إن استملاك أراضٍ للمناطق الحرفية المزمع إقامتها في منطقة وادي النضارة التي هي منطقة زراعية وسياحية بامتياز، قد تثير الكثير من المشاكل والاضطرابات في المنطقة، كون المواطنين لن يقبلوا بأي قرار استملاك بسهولة نظراً لتميز أراضي المنطقة بالأهمية الكبيرة زراعياً وسياحياً لدى أهلها.

إن «قاسيون» إذ يهمها الحفاظ على لقمة عيش المواطنين وتخفيف الأعباء عنهم، تدعو القائمين على أمور البلاد والعباد إلى إعادة النظر بالإجراءات والممارسات التي تثقل كاهلهم، ورفع ما لا ينص عليه القانون عنهم، لأن الالتزام الكامل بالقوانين والأنظمة النافذة، من قبل المواطنين والمسؤولين على حد سواء، يحفظ كرامة الوطن والمواطن.