تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
أطفال «بسطات الموت».. يهجرون الدراسة ليتحولوا إلى مروجي «مخدرات» وبائعي سجائر

أطفال «بسطات الموت».. يهجرون الدراسة ليتحولوا إلى مروجي «مخدرات» وبائعي سجائر

يظهر التجوال في شوارع مدينة دمشق وضواحيها, مدى ازدياد ظاهرة البسطات التي تنتشر على الأرصفة والطرقات، والقسم الأكبر من هذه البسطات يبيع السجائر دون رقيب أو حسيب على عملها، حيث بات عدد كبير من الأطفال بين عمر التسع سنوات والثامنة عشر من أهم رواد هذه البسطات إما لشراء السجائر أو للعمل في بيع هذه المادة في ظل غياب الرقيب والحسيب على هذه البسطات. 

لا تفارق السيجارة أصابع «شادي» الذي لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره بعد, فهو يتباهى بقدرته على تدخين أكثر من علبة سجائر «باكيت» في اليوم الواحد, «شادي» فقد والده منذ السنتين تقريباً والظروف المعيشية الصعبة دفعته للعمل في أكثر من مهنة حيث عمل صبي كوى وميكانيكي، كما عمل في «سوبر ماركت» في توصيل الطلبات, لكن «شادي» قال إنه تعرض للكثير من المضايقات وأن أصحاب العمل غالباً ما كانوا لا يعطونه أجرته التي يستحقها, إلى أن عمل مع ابن عمه في توزيع الدخان الأجنبي وبيعه حيث صار يتقاضى قرابة العشرين ألف ليرة سورية وأحياناً أكثر. 

ويتابع شادي «بات بمقدورنا أن ندفع أجرة منزل لي ولوالدتي وإخوتي الأربعة بعد أن أمضينا عاماً كاملاً ونحن ننام في إحدى حدائق دمشق, كما صار بمقدورنا شراء الطعام الجيد والملابس ودفع مصاريف جوالي، وكذلك أنا لا أدفع ثمن السجائر التي أدخنها والجميع في الحي يحترمني فأنا لا أقطعهم من السجائر». 

أطفال بعمر الورد..!

يتجمع عدد من الأطفال حول علبة «تنك» أشعلوا فيها قطع من الخشب بقصد التدفئة, ولا يتجاوز عمر أكبر واحد بينهم الخامسة عشرة سنة جميعهم يدخنون السجائر, وهناك سيجارة ملفوفة بشكل يدوي تنتقل من واحد إلى آخر. يقول «عبد الله»، وهو أكبر واحد بينهم عمره خمسة عشر عاماً، «أنا أدخن منذ السنة والنصف تقريباً، ولا أجد ذلك غريباً فالجميع يدخن، والدي ووالدتي وإخوتي الأكبر مني سناً يدخنون».

ويتابع عبد الله «تركت المدرسة منذ عامين وأعمل عند ميكانيكي، وأتقاضى أجراً جيداً أساعد من خلاله أهلي في مصروف المنزل واحتفظ بالباقي كمصروف للجوال وثمن للسجائر، وأهلي لا يعلمون بأني أدخن سوى أحد أشقائي الذي وعدني بعدم إخبار والدي إذا  اشتريت له سجائره». 

بينما يقول «سعد» ابن العشر سنوات «أنا اعمل في جمع الخردوات، وأقوم بمساعدة الناس في حمل الأغراض ونقل الأثاث وغيره من الأعمال كي أحصل على المال لأشتري السجائر», وتابع «قد أشحذ المال من أجل الحصول على ثمن سيجارة واحدة، وغالباً ما أطلب من أصدقائي استدانة سيجارة أو اثنتين إذا لم يكن لدي المال, ففي البداية كنت أسرق السجائر من والدي ولكنه في إحدى المرات اكتشف أمري وقام بضربي، لكن هذا لم يؤثر فيَ، وبت أبحث عن أي مصدر لجمع المال وشراء السجائر. 

وعن السيجارة الملفوفة بشكل يدوي وتدور فيما بينهم كل واحد يشتمها قليلاً, يقولون «إن عبد الله أحضرها ليجربوها، ففيها ممتعة وطعمها مختلف», لكن عبدالله رفض الإفصاح عن ثمنها أو المكان الذي ابتاعها منه.

لا رقابة على «البسطات»!

يعمل «أبو غالب» في بيع السجائر مع ثلاثة من أبنائه, يقول «أنا تهجّرت من منزلي وفقدت عملي, حيث كنت اعمل في دهان المنازل, ولدي عائلة مؤلفة من سبعة أشخاص وأنا المعيل الوحيد لهم؛ عملت ببيع الخضروات ولكنها كانت عملية خاسرة فوجدت أن بيع السجائر منتشر بشكل كبير ولا يوجد رقابة على البسطات, لذلك أضع بسطة عليها عدد من علب السجائر، وابني يضع بعيداً عني بمسافة ليست بعيدة بسطة ثانية, ونحن حالياً نجني مبلغاً جيداً من بيع السجائر مما يغطي جزءاً كبيراً من مصروف المنزل».

وعن بيعه السجائر للأطفال يقول أبو غالب «معظم الأهالي يرسلون أبناءهم لشراء السجائر لهم وأنا لا أستطيع أن أميز بين من يريد شراء السجائر له أو لذويه كما أنني أعمل بائع ولست مرشد اجتماعي كي أمنع الأطفال من شراء السجائر والتدخين».

«المخدرات» أو العمل في «الدعارة»!

تعمل «لارا» كما تطلب أن نناديها في التسوّل في أحد الشوارع الراقية لمدينة دمشق. تدرك الفتاة ذات الستة عشر عاماً خطورة عملها، فهي تتعرض للكثير من المضايفات وأكثر هذه المضايقات هي تحرشات جنسية وطلبات من شبان لإقامة علاقة جنسية مقابل مبالغ من المال. 

وقد تم إدخالها أكثر من مرة لملجأ خاص بالمتسوّلين وباليتامى لكهنا كانت تهرب كلما سنحت لها الفرصة. تقول لارا «توفي والدي عندما كان عمري سبع سنوات، وتزوجت والدتي بعد وفاة والدي ولكن زوجها منعها من الاحتفاظ بي، وهنا بدأت رحلة عذابي في منازل أعمامي إلى أن هربت  من منزل جدي ولم أعد إليه, وبقيت في الشوارع أعمل في التسول وبيع السجائر وأي شيء عدا أن يلمسني أحدهم فأني لا أقبل بذلك». 

رفضت «لارا» في البداية أن تبيعنا حبوباً مخدرة حيث أشار رفاقها المنتشرون في الحي إلى أنها هي من تسيطر على هذه الموضوع, لكنها بعد أن تأكدت أننا لسنا من المكافحة أخرجت حبتين صغيرتين تشبهان حبوب الدواء العادية وقالت «إن ثمن الحبة الواحدة هو 300 ل س», وهناك أنواع أغلى لكنها لا تحمل منها لأنها قبل ستة أشهر ألقي القبض عليها من قبل دورية للمكافحة المخدرات وكانت خسارتها كبيرة, وتتابع لارا «لا أجيد عملاً غير التسول وبيع هذه الحبوب لذلك عدت لبيعها كي أتمكن من العيش ولا أتجه نحو الدعارة».

أرقام مخيفة أمام القضاء!

أوضحت إحصائيات قضائية صدرت مؤخراً, أن «عدد الأحداث الذي يحاكمون بتهمة القتل وصل إلى ما يقارب 200 حدث في سورية معظمهم في دمشق وريفها»، ومبينة أن «عدد الأحداث الذين يتعاطون المخدرات تجاوز 400 حدث في سورية منهم 100 فتاة متعاطيات ومتاجرات بالمواد المخدرة»، (لا تشمل هذه الأرقام طبعاً كل مناطق البلاد في ظل الظروف الأمنية، وخروج مناطق واسعة عن سيطرة الدولة).

وقالت «رندة فصيحة» قاضي تحقيق الأحداث «إنه في الوقت الحالي زاد عدد الأحداث الذين يحاكمون بتهمة انتحال الهوية الشخصية»، وأوضحت فصيحة «أن القضاء السوري عامل الأحداث معاملة خاصة من خلال قانون الأحداث»، مشيرة إلى أن الحدث الذي يرتكب جرم القتل تفرض بحقه نصف العقوبة المفروضة على البالغ الذي يطبق بحقه قانون العقوبات السوري.

وأضافت فصيحة «إن الجرائم التي يعتبرها القضاء السوري جنحة بحق الحدث الاحتيال واللواطة»، مؤكدة أن حالات اللواطة كثيرة وأن القضاء بدمشق استقبل عدداً لا بأس به من هذه الحالات «قد تصل في الشهر الواحد إلى 4 حالات لواطة»، مؤكدة أن «القضاء السوري اعتبر السرقة بالليل من اختصاص محكمة الجنح، وكذلك تزوير الأوراق غير الرسمية وانتحال الشخص هوية غير هويته».

وأشارت «فصيحة» إلى أن هناك الكثير من الأطفال فقدوا أهلهم ما دفعهم إلى البحث عن موارد مالية تجنبهم الجوع والفقر.

وأكدت القاضي «فصيحة» على أن قانون الأحداث قانون عصري وجيد وينصف الأحداث، إلا أنه لا بد من تشديد العقوبة على الجرائم البشعة. كما أنه «يجب الاعتناء بدور إصلاح الأحداث، ولاسيما أن الحدث قد يرتكب جرماً بشعاً، ومن هذا المنطلق يتجلى عمل دور الأحداث في إصلاح الحدث»، مؤكدة ضرورة تحويل الحدث إلى مصح نفسي لمعالجته في حال كان الجرم يستدعي ذلك.

التداعيات والتصدي الحقيقي لها

هي مؤشرات وملامح أولية عن تداعيات الأزمة وتأثيرها على عالم الطفل، الذي يدفع الفاتورة الأكبر في ظل ظروف كالتي تمر بها البلاد، هي ظواهر مرضية لا يحلها قانون، ولا إجراءات عقابية رادعة، فهي بالمعنى التحليلي ظاهرة «طبيعية» في ظل أزمة بهذا الشمول والعمق، خلفت هذا الكم الهائل من الضحايا.. 

وإن التصدي الحقيقي والاستراتيجي لهذه الظواهر التي أفرزتها السياسات الليبرالية الاقتصادية في بلادنا وأخرجتها الأزمة إلى السطح لا يكون إلا من خلال العمل على الحل السياسي، وتوفير الظروف المناسبة لترميم ما تهتك في النسيج الاجتماعي مثل غيرها من الظواهر الفرعية.