«حلب» من تحت الدلف لتحت المزراب

«حلب» من تحت الدلف لتحت المزراب

إن الغياب شبه التام لدور مؤسسات جهاز الدولة، وتقاعس بعضها في تحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين، والاشتباكات المسلحة وقذائف الهاون والقصف والسيارات المتفجرة، والاعتقالات وأعمال الخطف والقنص، والتبعات الاقتصادية والمعاشية المتفاقمة للأزمة، كلّ ذلك بات سمة دائمة للمأساة اليومية التي يعيشها المواطنون منذ أكثر من ثلاث سنوات.

أصبحت حلب مدينة منكوبة وخاصة في الأيام العشرة السابقة فلا ماء ولا كهرباء ولا مواد غذائية ولا محروقات، حيث فقدت وانعدمت كل مقومات الحياة ومتطلبات الصمود ابتداءً من الطرق المقطوعة ومعابر «الذل» إلى الطرق الترابية الطويلة والوعرة التي تزيد الأعباء على كاهل المواطنين وقتاً وجهداً ومالاً, إلى النزوح والتهجير وفقدان الأهل والأحبة والممتلكات، وازدياد الآلام نتيجة للفوضى وفقدان الأمن وانهيار القيم وانعدام المرجعيات الاجتماعية والإنسانية.

واستمرار الاشتباكات من «الراموسة»- سوق «الجبس»- طريق خان العسل إلى الزهراء, الليرمون, فبني زيد، وانهمار قذائف جهنم والهاون والصواريخ والبراميل التي أمطرت بها المدينة في الأيام السابقة، والتي تأخذ طابعاً عشوائياً فتساهم في المزيد من التهجير والدمار والقتل. فمن لم تقتله القذائف والصواريخ قتله الرعب وشل حركته الخوف مما يحدث له ويشاهده يومياً..

ولم يعد يعرف بعد نهاية هذه اللعنات التي حصدت الأرواح ودمرت البلاد وشردت الناس، والموت يلاحقهم من مكان لآخر.

ومن جهة أخرى جاء ارتفاع الأسعار الجنوني للسلع والمواد الغذائية والأدوية والمحروقات- استكمالاً لهذه الحرب المعلنة- من قبل تجار الحروب والسماسرة وضعاف النفوس الذين يستغلون الأزمة من أجل تحقيق مكاسبهم، وهم لا يقلون خطورة عن الإرهابيين، فهذا يقتل بآلة الحرب، وذاك يقتل بالجوع والنهب.

فإلى متى سيكون البشر والحجر أسير هذه الحرب القذرة التي اتفقت على إضرامها كل مرتزقة الأرض، ويدفع ثمنها الجيش والشعب كل يوم مزيداً من الضحايا والدماء.