هل هناك تحرك طلابي حقيقي في سورية؟

هل هناك تحرك طلابي حقيقي في سورية؟

طلاب الجامعات ليسوا في بمعزل عن المجتمع وتناقضاته، فالمجتمع بانقسامه العريض إلى طبقات تتناقض مصالحها، ربما يباعد بينها في الأحياء السكنية أو في ظروف العمل لكنه يجمعها في الجامعات التي تضمه بكل تلاوينه، فالطلاب شريحة اجتماعية غير متجانسة طبقياً، حيث تضم  بين ثناياها أبناء الفقراء وأبناء الأغنياء على حد سواء، وإن كانت حظوظ أبناء الفقراء قد تراجعت في السنوات الأخيرة تحت ضغط التعليم الخاص والموازي والافتراضي..الخ وما جره على «تكافؤ الفرص» المفترض..

وسورية إذ تشهد الآن ظروفاً استثنائية منذ بداية التحرك الشعبي ذي الأساس الموضوعي، انتقل هذا التحرك بشكل أوتوماتيكي إلى الجامعات، وقد شاهدنا عدة مؤشرات على ذلك في دمشق وحلب والحسكة وغيرها من الجامعات، بالرغم من عدم نضوج الظروف الموضوعية لأي نشاط طلابي حقيقي ضمن سياق التحرك الشعبي الذي تشهده سورية، ولكن عوامل نضوجه موجودة، وهي تنضج باستمرار نتيجة عدة أسباب كامنة خلف ذلك ترتبط بممارسات قوى الفساد والليبرالية التي تستخف بالطلاب وتهدر حقوقهم.

فساد الجهاز التعليمي والإداري

إن قضية فساد الكثير من «الدكاترة» والمعيدين باتت واضحة للعيان بشكل لم يعد من الممكن إخفاؤها، منها ابتزاز الطلاب بعلاماتهم مادياً وأخلاقياً، حيث تطرقت قاسيون إلى ذلك عدة مرات، ويجري ذلك عبر شبكة من الطلاب مرتبطة بهذا الدكتور أو ذاك المعيد، تقوم ببيع الأسئلة الامتحانية مقابل مبلغ معين. هذا بالنسبة للطلاب، أما بالنسبة للطالبات فالرضوخ لابتزاز الأخلاق يضمن لهن النجاح في المادة المفترضة، أما بقية الطلاب المساكين الذين لم يستطيعوا دفع هذا الثمن فيمرون عشوائياً تحت مقص الرسوب، جزء منهم على الأقل، وفي حالات نادرة تم إيقاف العديد من هذه الشبكات دون عقوبات تذكر، إضافة إلى حالات التعامل الفوقية مع الطلاب من الدكاترة والمعيدين في معظم القضايا  التي يراجعهم الطلاب من أجلها كحلقات البحث أو من أجل تقديم اعتراض على إجحاف تعرضوا له في علامات مادة ما، التي يتم وضعها في كثير من الأحيان بإتباع اعتبارين اثنين، أولها من دفع الرشوة ومن لم يدفع، وثانيها قضية نسبة النجاح، إذ يبدو، وكما يشعر الأغلبية الساحقة من الطلاب أن بعض الدكاترة مطلوب منهم تأمين نسبة رسوب معينة في مادة ما بحجة الحفاظ على نزاهة الامتحانات، وفي كثير من الأحيان تأتي هذه النسبة مضحكة مبكية (0،1%) على سبيل المثال!!.

إن هذا الفساد المستشري كالسرطان في الجهاز التعليمي والإداري للجامعات، هو بمجمله، وفي المحصلة، جزء من الفساد الصغير والمتوسط المرتبط فيما بينه بشبكات منظمة أو غير منظمة، والمرتبطين بدورهما بالفساد الكبير في البلاد، وكل ذلك قد خلّف احتقاناً شديداً في أوساط الطلاب من خلال تراكمه السلبي عبر عقود وتطوره في أساليبه ووسائله وطرائق النهب التي يبدعها ويزج الطلاب فيها قسراً وصل لدرجة انعدام الثقة بين الطلاب من جهة، والدكاترة والمعيدين من جهة أخرى. 

القرارات الليبرالية المجحفة

في العقد الأخير من تاريخ سورية اتبعت الحكومة –كما هو معروف- نهجاً اقتصادياً سمي «اقتصاد السوق الاجتماعي»، والذي كان بمجمله هجوماً ليبرالياً على المكتسبات الاجتماعية للشعب السوري، التي تحققت بنضال قواه الوطنية والتقدمية عبر عقود، ومنها ما حققته الحركة الطلابية عبر عقود من ديمقراطية التعليم ومجانيته، وبدأ ضخ سلسلة المراسيم الخاصة بإنشاء أنظمة التعليم ذات النموذج الليبرالي كالموازي والمفتوح والخاص والافتراضي.. هذه الأشكال الليبرالية للتعليم قلصت من فرص أبناء الفقراء في الحصول على مقعد في الجامعة، ونهبت جيوب الشرائح المتوسطة المتهالكة أصلاً ببلاء تحرير الأسواق والأسعار، كذلك تقليص دور الدولة الاجتماعي في توفير فرص العمل للخريجين كالمرسوم رقم 6 الذي سبب احتجاجات طلابية في حلب ودمشق تطرقت إليه قاسيون في عام 2004. كما ظهرت أشكال الرسوم المالية المختلفة التي هي في المحصلة ضرائب غير مباشرة مفروضة على الطلاب، بدءاً بعشرات الطوابع المالية ورسوم التسجيل، وليس انتهاءً بدفع ثمن النشاطات في الأقسام العملية وفي حلقات البحث، وأسعار الكتب والمحاضرات الجامعية، فتراكمت الضغوط على الطلاب..

دور المنظمة الشعبية

ثمة دور وظيفي لكل اتحاد طلابي، يتمثل في النضال من أجل ديمقراطية  التعليم والحفاظ على مكتسبات الطلاب وتمثيل تطلعاتهم ومستقبلهم كمنظمة شعبية، لكن الذي يحدث في بنية عمل الاتحاد الوطني لطلبة سورية عكس ذلك، حيث انتشرت المحسوبية بشكل واسع. وأبسط دليل على ذلك النظام المتبع في الانتخابات الطلابية، وعند الحديث عن الانتخابات فنحن نتحدث عن التمثيل السياسي كونه نشاطاً سياسياً، لكن تجري الانتخابات بطريقة ترسخ انتماءات ما قبل الدولة الوطنية، فتتنافس قوائم على أساس قومي وديني وطائفي، وتُعاق أية قائمة سياسية من المشاركة مع غياب القوى السياسية وتراجع دورها في الجامعات بفعل عقود من الأحكام العرفية وقانون الطوارئ ومصادرة حق التعبير عن الرأي عند الطلاب، بما في ذلك أبسط الأشكال (التواقيع والعرائض) ومن أجل أبسط القضايا المطلبية (الاعتراض على النتائج الامتحانية لمادة ما) .

كلمة أخيرة

إن جملة من عوامل كثيرة كالتي تناولناها، ساهمت وتساهم في زيادة حالة الاحتقان في أوساط الطلاب، وان استمرت وتكرست أكثر فهي حتماً ستؤدي إلى نضوج الظروف الموضوعية لاحتجاج طلابي شامل، والتي شاهدنا مؤشراته الصغيرة في الفترة الأخيرة عدة مرات.. لذلك يجب ملاقاة مطالب الطلاب المشروعة ضمن إطار مخطط الإصلاح الشامل في البلاد، مما سينزع فتيل التوتر المحتمل، ويضع الاحتجاجات على سكتها الطبيعية.