من الذاكرة : مرّ الحياة وحلوها
تتضمن زاويتنا اليوم أمرين اثنين: أولهما ظاهرة داء عدم الوفاء, تلك الآفة التي عبر عنها المثل الشائع «ملحه على ديله» للدلالة على أن المعنيين بهذا القول مفتقرون للحد الأدنى من الإخلاص, ناكرون «للخبز والملح» للمودة والصداقة والمعاشرة
ولاسيما إن كانوا «يرفعون» يافطة المبادئ, ولست الآن بوارد ذكرهم بأسمائهم, لأنهم وبمحض إرادتهم تقوقعوا على ذواتهم وانكفؤوا حتى تحولوا إلى نكرات, متجاهلين عن عمد رحيل رفاق ورفيقات أعزاء كان لهم دورهم ونشاطهم ومكانتهم «لمجرد أنهم ليسوا في فصائلهم» فلم يتحدثوا عنهم, لو بكلمة واحدة, وهذا غريب عن سلوك الشيوعيين. فقد تعلمنا في صفوف حزبنا أن نكون أوفياء لكل الرفاق, فنقف بصادق الاحترام لذكرى أي رفيق أو رفيقة يرحل عنا مع دمعة حزن وألم, ودمعتنا اليوم على الرفيقة الراحلة فرجيني الحلو زوجة الشيوعي الكبير الشهيد فرج الله الحلو التي شاركته مر الحياة وحلوها, وبمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيلها نقول ستبقى ذكراكم أيها الرفاق الأعزاء حية في قلوبنا محاطة بكل مشاعر الاحترام والتقدير.
أما الأمر الثاني فهو عودة بالذاكرة إلى زمن الشباب يوم كانت البساتين الخصبة تفترش المسافات شرق نهر يزيد حتى برزة والقابون والقصاع، مشكلة قسما هاما من غوطة دمشق, بينما كانت حارتنا تمتد موازية ضفة نهر يزيد الغربية الشمالية, مع بعض الامتدادات المتواضعة نحو جبل قاسيون, وعلى جانب واد صغير بنى والد صديقي صلاح ميقري بيتا مقابل مغارة صغيرة, كنت أتردد إليه كثيراً وأنا فتى يافع حاملاً آلة تسجيل (أم بكرات) اشتراها أبي بالتقسيط, لنجتمع شلة أصدقاء نمضي وقتاً ممتعاً بتسجيل مقاطع تمثيلية مرتجلة, مع بعض الأغنيات الشائعة حينها, ومن تلك الذكريات الغالية, ذكرى تسجيل قصيدة الشاعر محمود حسن اسماعيل «النهر الخالد» التي لحنها وغناها الموسيقار محمد عبد الوهاب, ومنها هذا المقطع:
مسافر زاده الخيال
والسحر والعطر والظلال
ظمآن والكأس في يديه
والحب والفن والجمال
سمعت في شطك الجميل
ما قالت الريح للنخيل
يسبّح الطير أم يغني
ويشرح الحب للخميل
وقد سجلنا الأغنية بصوت الصديق عبد الرحمن الذي أداها بكل دقة ونجاح بصوته الجميل الرخيم, ودارت الأيام وضاع شريط التسجيل, لكن الصديق تابع طريقه في عالم الفن ليغدو نجماً ذائع الشهرة على امتداد الساحة العربية, يستقطب إعجاب الملايين من المشاهدين لأدائه الرائع المتميز في عشرات المسلسلات والمسرحيات, وفي السينما أيضاً, وليصدح صوته القوي الجميل بالأغنية الوطنية الآسرة:
لا لي.. لا لي
يا علمنا بالعالي
أنا سوري
آه يا نيالي
إنه النجم الفنان عبد الرحمن آل رشي الذي ودعناه يوم الأحد الماضي (13/4/2014) إلى مثواه الأخير على سفح جبل قاسيون.