في السويداء.. قرية «الطيرة» تجربة شعبية متميزّة

في ظل ما تشهده مناطق واسعة من البلاد مؤخرا من معارك عسكرية عنيفة بين طرفي (التحرير) و(التطهير) وانعكاساتها الخطيرة على البنية الاجتماعية، هذا الانعكاس الذي توضح من خلال عدة أشكال اخطرها التراجع الواضح في دور أجهزة ومؤسسات الدولة.

في ضبط مستوى الأمان الاجتماعي العام على اقل تقدير.مما سبب بالتالي وكنتيجة لهذا التراجع، ظهور مكونات«اجتماعية»  حاولت سد الفراغ في هذا الواقع المستمر ولشهور طويلة من عمر الأزمة السورية تحت مسمى (اللجان الشعبية)، التي لطالما انتقدنا دلالتها وأداءها الوظيفي وارتباطاتها، حيث لعبت كثير من هكذا لجان دورا مشبوها ولا وطنياً في أكثر من مكان،الدور الذي تجلى من خلال قضايا المخطوفين وجثامين الشهداء وفتح الثغرات عبر الحدود وضمن البلاد للإرهابيين وتأمين الدعم اللوجستي لهم من إمدادات غذائية ومحروقات وبأسعار مرتفعة جدا، هذا بالإضافة الى المعاملة السيئة التي يواجهون بها المدنيين المسافرين والمتنقلين.

في ظل ماسبق قدمت قرية الطيرة في محافظة السويداء، والبالغ تعدادها السكاني 700 نسمة وهي من قرى الجوار مع محافظة درعا نموذجا، حيث بدأت القرية بتنظيم شؤونها من خلال مجالس العائلات المكونة للقرية، وهي خمس عائلات من طوائف مختلفة  بانتخاب مجموعة من الشباب المقبولين اجتماعيا وأخلاقيا انطلاقا من حساسية الجوار مع محافظة درعا، كلجنة سلم أهلي.

هذه اللجنة بشبابها المقدرين من الحاضنة الشعبية في القرية، وهذه العلاقة الجيدة لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة التجرية العملية على أرض الواقع، حيث يروي أهالي القرية أن الحماس العفوي لدى أبناء القرية لحماية القرية من أي خطر كان قد تم استغلاله في بادئ الامر من عدة أطراف وخصوصا إحدى الشخصيات في الفرقة الحزبية لحزب البعث في القرية، إذ تنصلت تلك الاطراف من المسؤولية الأخلاقية والإجتماعية السياسية تجاه الدفاع عن مصالح وحياة أهالي القرية، وبادرت لأخذ تصاريح من الشباب الذين أعطوا السلاح تنص تلك التصاريح أن الجهة التي سلمت السلاح خالية من المسؤولية تجاه حياتهم وسلامتهم،و في تلك المرحلة ايضا ظهرت تصرفات سيئة أخلاقيا واجتماعيا من بعض الذين شاركوا في تشكيل مجموعات الحماية الأهلية،  ومارست العبث واللهو عبر السكر العلني والتعرض الإستفزازي للسيارات العابرة والإهانة الشخصية للمارة حتى وصل الأمر ذروته عندما قام اولئك العابثون بالتهجم على أحدى الشخصيات الإجتماعية المعروفة على صعيد المنطقة وإهانته، استدعى مجمل ذلك اجتماعاً عاما على صعيد القرية تم بموجبه الإتفاق بين العائلات المدركة لمسؤوليتها الوطنية على تشكيل لجان شبابية من مجمل عائلات القرية وانتقاء شخوصها بعناية فائقة تتمثل بأنهم ليسوا من أصحاب السوابق أو المشاكل، ولهم الإحترام والثقة والحضور الاجتماعي الايجابي لدى جميع أهالي القرية، الامر الذي انعكس تغيرا جذريا على أداء اللجان الشعبية المسؤولة عن حماية القرية بحيث أدت وبشكل حقيقي الدور الوطني في حماية السلم الاهلي.

يذكر أن أهالي قرية الطيرة لم يتعرضوا لأي أذى أو مس بسلامة الامنين فيها، وأن اللجان الشعبية «الجديدة» حازت كل ذلك التقدير والاحترام ليس فقط من اهالي قرية الطيرة وإنما من القرى المجاورة كافة ما افضى الى تعميم نموذجها على نطاق القرى المجاورة وتشكيل لجان للسلم الاهلي تتميز بالوعي والمسؤولية الوطنية ذاتها.

إن اللجان المنجزة بشكل شعبي حقيقي دون وصاية أو فرض بقوة السلاح من أحد كما هو حال لجنة السلم الاهلي في قرية الطيرة تؤكد أن الشعب هو مصدر السلطات،و أن هذا الشعب العنيد يجب أن يعطى الحق في الدفاع عن نفسه وعن مصالحه، عن لقمة خبزه وأمنه وحياته، و لاسبيل آخر لسلامة الوطن بشعبه وبكرامته.

آخر تعديل على الثلاثاء, 15 نيسان/أبريل 2014 13:43