مطبات: ملامح عادية جداً

مطبات: ملامح عادية جداً

ببساطة لاذ القاتل بالفرار، العبارة القاسية المجرمة، والضحايا أطفال وعجزة ونساء، الأكثر قسوة أن يحمل القاتل ضحيته إلى باب المشفى ثم يولي الأدبار في حالة إنسانية استثنائية مشوهة.

كأننا ذهبنا إلى حياة لا تشبهنا، وما يربطنا مجرد كوننا شركاء في العبور من شارع واحد، وركاب سفر قصير، ومجرد مرضى ننتظر مع الألم وحده أمام أبواب العيادات الداخلية والخارجية، وجوهنا الجامدة دون ملامح تحيلنا إلى ملصق كبير تختلط به الألوان فقط، مجرد كائنات تتقاسم الهواء، وتعبأ خزانات الماء لتغسل وتستحم، ولا عشب يجمعنا بنداه الصباحي، وبرودته الآسرة.

رئيس الحكومة يعفي مدير مشفى جراحة القلب على خلفية المعقمات الحارقة، مياه نار لتعقيم جروح قلوبنا، شركات تلهث وراء الربح فقط، ونحن مجرد فئران لا تستحق التجربة.

(نور) ابنة السنوات الأربع يصدمها سائق دراجة ليدخلها في سبات قد لا تعود منه، طفلة في التاسعة جثة زرقاء مغتصبة من قاتل شبق، الطفلة المرمية عارية ومتهتكة من رحمها، وعلامات احتراق السجائر الملتاثة تجعل من رائحة اللحم المشوي نداء استغاثة.

تقرير محلي يعدد المغتصبات هنا، 1300 مغتصبة أغلبهن دون الثامنة عشرة ذبحن على أنفاس المخدرين بالحبوب والضياع، في الوقت نفسه تتكاثر الجمعيات المدافعة عن الشرف، والداعية إلى وصفة اجتماعية تنصف المرأة وتحميها.

قتلى في مشاجرة جماعية، حوادث سير مجنونة لا تخلف جرحى، وحملة لمطاردة متعاطي الحبوب المهدئة، وصيادلة يبيعون المراهقين أدوية مهدئة ومثيرة، وزعران أمام مدارس البنات يرجمون السكينة بألفاظ تخدش البراءة.

ترتفع أسعار البندورة، والألبسة قبل العيد، والسماء تتعاطف مع منتظري الدعم المازوتي، ونقاشات حكومية حول ملف الزراعة، ودعم التصدير على حساب المستهلك، ووعود بزيادة حكومية مرتقبة على الرواتب، وأيهما أولى بالرعاية فرص العمل أم الدعم، التأمين والسياحة والعقارات أم الزراعة، زيادة رقعة الأرض المزروعة أم الإنتاج، ما أنجزته الخطة الخمسية العاشرة أم ما جنبتنا من كوارث، الخطة الحادية عشرة وحصص التعليم والثقافة المنخفضة أم حصة مهرجان السينما التي يتغنى بها مدير المؤسسة السينمائية التي لا تستطيع أن تلد سوى فيلم واحد.

هيفاء وهبي ضيفة شرف مهرجان السينما، انسحبت من المهرجان، لم تنسحب من المهرجان، الفنانون السوريون خارج حفل الافتتاح، يتمرون أم كعادتهم يقدمون الضيف على الذات، فاديا خطاب نقيبة للفنانين، فاديا خطاب تنفي وتتحدث عن حصولها على أعلى الأصوات في انتخابات النقابة، مؤتمر صحفي يتحدث فيه (الأحمد) عن خسائره الشخصية، وإنجازاته السينمائية.

استقالات بالجملة ودون أسباب واضحة لأعضاء كبار في مجلس مدينة حلب، إعفاء أمين سر محافظة دمشق، محافظة ريف دمشق تغار من شقيقتها محافظة دمشق وتقطع طريق الغوطة من المليحة وحتى النشابية فقط من الثامنة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً، ولمعلوماتكم بعد الساعة الثامنة مساء لا يوجد مستخدمون لهذا الطريق سوى القلة الساهرة في متنزهات الخمائل والبهجة.

اتحاد العمال يتحدث عن ثالوث المعوقات في أولها قانون العمل، وفي مقدمة معرقليه أصحاب العمل، وفي مقهى الهافانا تنفث بعض القيادات النقابية دخان أرجيلتها في جلسة ود مع مؤسسة التأمينات الاجتماعية.

وزارة النقل تشارك في دعم أسطولها العام بأساطيل خاصة من الباصات، والأزمة تتفاقم، وزارة الكهرباء تفتتح عصر الكهرباء الخاصة، وزارة الأوقاف تبدأ باستثمار أبنيتها، وضع شركات عامة ومعامل كبرى في خانات البيع والاستثمار والشراكة.

العقارات إلى صعود، وشركات التطوير العقاري تقدم لنا الوصفات الملكية لبيوت ليست لنا، وخطط متوثبة ودائمة في الندوات والمحاضرات والتصريحات لخلع باب السكن العشوائي.

ثمة نحن هنا.. في هذا الزحام الكبير مواطنون من الصنف (العادي) نبحث عن ملامحنا.