سياسة الخطوة خطوة لإنهاء دور الدولة بعد المرافئ.. الكهرباء برسم الاستثمار!!
رغم اعتراضات خجولة من بعض أعضاء مجلس الشعب، أُقِر مشروع قانون الكهرباء، وما يجري في مجلس الشعب يجري في المجالس النقابية العمالية، وبحضور الحكومة، حيث تقدَّم المداخلات التي تعترض على مشاريع قوانين عديدة ولكن يتم إقرارها أخيراً، رغم كل الاعتراضات.
الطاقم الاقتصادي في الحكومة يعمل بدهاء وهدوء عجيبين، ورغم وضوح السياسة التي تجري وفق التوجهات الليبرالية وصندوق النقد الدولي، وليس وفق احتياجات الشعب والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن مسيرتها تحقق أهدافها المستترة، وتُنفَّذ خطوة خطوة.
تم تأميم قطاع الكهرباء في سورية عام 1951، وبعد سنوات تم تأميم المرافئ في اللاذقية وطرطوس، وجاءت قرارات التأميم هذه من البرحوازية الوطنية السورية لشعورها بأهمية هذه المرافق الاستراتيجية والتي كانت في أيدي شركات أجنبية متحالفة مع أصحاب رؤوس أموال محلية. وإن ما يجري الآن هو عودة عن التأميم بشكل واضح وعلني، ولكن كما يقول النائب الاقتصادي عبد الله الدردري فعلاً: خطوة خطوة، ومناقشة مشروع قانون الكهرباء في مجلس الشعب رافقها انقطاع التيار الكهربائي لعدة مرات في اليوم، في أنحاء سورية كافة، رغم عدم وجود ضغط في الاستجرار فقد انحسرت موجة الحر، وقد وصلت الرسالة فعلاً إلى الشعب السوري الذي كاد أن يقول: «أعطوا الكهرباء للقطاع الخاص وخلِّصونا».
الكهرباء والنمو
لم تلحظ الحكومات المتعاقبة في العقود الأخيرة ضرورة تحديث قطاع الكهرباء الذي كان من المفترض أن يتماشى مع النمو السكاني والصناعي والزراعي، لم تُبنَ محطات تكفي للتوليد، ولم تُمَد شبكات حديثة للنقل والتوزيع، وكان ترداد الحكومات بشكل دائم أن هذا يتطلب إنفاقاً استثمارياً بالقطع الأجنبي، وتأمين الطاقة الكافية بالاعتماد على النفط كمصدر للتشغيل يصطدم بالطاقة الضعيفة لمصفاة حمص ومصفاة بانياس التي لا تستطيع تأمين أكثر من /3/ مليون طن من الفيول سنوياً، وهذه الكمية لا تكفي لإنتاج حوالي /12000/ مليون كيلو واط ساعي في العام أما الباقي كان يؤمن عن طريق الاستيراد.
الاستيراد بدل التصنيع
لم تفكر الجهات الحكومية بإقامة مصافٍ جديدة سوى منذ عامين فقط وبالشراكة مع دول وشركات علماً أن تكلفة المصفاة بالكامل قبل بضعة أعوام كانت /130/ مليون دولار فقط، وهي بكلفة ملعب رياضي.
ولم تفكر الجهات الحكومية بتأمين الطاقة من مصادر بديلة كالحجر الزيتي والغاز الطبيعي والسدود المائية واللواقط الكهربائية والرياح الطبيعية المناسبة لإنشاء مزارع الرياح لتوليد الطاقة، بل كان الأسهل استيراد الفيول واستيراد النفط المكرر وقبض العمولات والسمسرات.
بدأ التردي عام 1982 بمشاكل في التوليد وعجز في توزيع الكهرباء، وعقد اجتماع على إثره تم فصل المؤسسة إلى مؤسستين: مؤسسة توزيع، ومؤسسة توليد، وكانت النتيجة زيادة عدد المدراء وتوسيع الفساد وزيادة الهدر والإنفاق.
في نهاية التسعينيات انصبت الجهود على التوليد، وتناست الجهات الوصائية التوزيع، وازدادت الطاقة عن الحاجة بسبب العجز في محطات التحويل وشبكات التوزيع، فأقيمت محطات تحويل وشبكات توزيع وتم تناسي وإهمال التوليد، وبدأت سلسلة مشاكل الكهرباء المترافقة مع الخلل العام من حيث عدم الصيانة الدورية لمحطات التوليد حتى أصبحت المحطات قديمة وإنتاجها قليل وأكثرها خرج من الخدمة.
عقود من أجل العقود
تم توريد معدات إلى محطة بانياس منذ سنوات عديدة، وبقيت حبيسة المرفأ والمستودعات، وشُكِّلت لجان وأعطيت تبريرات واهية، وتم تناسي ضرورة تأمين التوليد الكافي، وانصب الاهتمام على تعاميم الترشيد لتقليل الاستهلاك، أي تم تحميل المسؤولية للمواطن. لاشك أن ترشيد الاستهلاك ثقافة وضرورة، ولكن يأتي بعد تأمين التوليد أولاً، وبلغ العجز /40%/ في التوليد، وكثرت الانعكاسات الاقتصادية الخطيرة.
رؤية نقابية
الاتحاد المهني لنقابات عمال الكهرباء والصناعات المعدنية قدم إلى مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال تقريراً رصد فيه واقع الكهرباء، جاء فيه: «في ظل الدعوة المفتوحة لأصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال للاستثمار في سورية في أي مجال، اقترحت الحكومة مشروع قانون يتيح للقطاع الخاص الاستثمار في مجال التوليد وتوزيع الطاقة الكهربائية، وكذلك إدارة المشاريع القائمة. إن توليد ونقل الطاقة الكهربائية في سورية يقوم على تكامل عمل مؤسستين: المؤسسة العامة لتوليد ونقل الطاقة، والمؤسسة العامة لتوزيع واستثمار الطاقة، وقد مر هذا القطاع، وخاصة في مجال التوليد، خلال السنوات الماضية بصعوبات أدت إلى عجزه عن تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، حيث وصلت ذروة الأحمال الكهربائية إلى قيم تفوق الاستطاعة المولدة، ما أدى إلى وضع برامج لتقنين استخدام الكهرباء، ووصل زمن انقطاع التيار إلى عدة ساعات في اليوم الواحد. ويرى الاتحاد أن من أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك:
1ـ التأخر في إنجاز محطات التوليد المخطط لها أو المتعاقد عليها، لسنوات عديدة وأسباب مختلفة، مالية وفنية وسياسية أحياناً، كالحصار والعقوبات.
2ـ تزايد الطلب على الطاقة الذي وصل في بعض السنوات إلى /10%/ من الطاقة المعدة للاستهلاك ويعود هذا التزايد لأسباب مختلفة: تزايد عدد السكان وزيادة حصة الفرد من الطاقة وتشجيع الاستثمار في القطاعات المختلفة.
3ـ ارتفاع أسعار المازوت وتحول كثير من المستهلكين إلى التدفئة الكهربائية واستخراج المياه وري المشاريع الزراعية بالكهرباء بدلاً من المازوت.
4ـ ارتفاع نسب الفاقد على الشبكة السورية، ومن باب العلم فإن إجمالي إنتاج الطاقة الكهربائية لعام 2009 بلغ 43.308 مليار ك.و.س المباع منه 26.383 مليار ك.و.س. ويرى الاتحاد المهني عدم مشروعية مبررات الحكومة لطرح الكهرباء على الاستثمار وعليها اتخاذ الإجراءات التالية:
1ـ رصد الأموال اللازمة للمشاريع الاستثمارية في مجال التوليد وإنجاز الخطط في مواعيدها المحددة.
2ـ معالجة الفاقد على الشبكة الكهربائية، وخاصة التجاري منه، علماً بأن كلفة الفاقد بالأسعار الحقيقية تتجاوز 40 مليار ل.س سنوياً.
3ـ التشجيع على استخدام الطاقات المتجددة بالاستطاعات الكبيرة والصغيرة، وخاصة في مجال التدفئة وتسخين المياه ومشاريع الري.
4ـ تقديم التسهيلات للاستثمار في مجال استخدام الطاقات المتجددة في توليد الطاقة.
5ـ تقديم التسهيلات للقطاع الخاص في مجال التوليد الذاتي.
الجانب المخفي من المشكلة
هذا الجانب لم يلحظه تقرير الاتحاد المهني، وإن كان يعرفه حق المعرفة، فهناك خلل إداري وتكتلات أدت إلى شرخ بين العاملين والإدارات، وتم إبعاد الخبرات الإدارية والكوادر الفنية، وتم الاعتماد على كوادر بلا خبرة، ولكنها تدين بالولاء المطلق للإدارات، وتناوب على الوزارة من ساهم بزيادة الأزمة بدلاً من المشاركة بحلها، بين وزير من مؤسسة التوليد، كان مديراً عاماً لمحطة جندر، وكان عاجزاً وفاشلاً، أو وزير أكاديمي ولكن ينقصه القدرة على صنع القرار، في ظل وجود هيكل إداري فاسد وخلل عام في الهرم الإداري بأكمله.