تأثيرات صحية خطيرة لأبراج تقوية الاتصالات الخليوية اعتداءات على خزانات مياه الشرب والمدارس والأملاك الخاصة في درعا
أصبحت أبراج تقوية إرسال شبكات الاتصالات الخليوية للهاتف النقال تغطي أسطح الكثير من المنازل والمباني السكنية، وتنتشر فوق رؤوس الناس على امتداد سورية، بعد أن أغرت الشركتان الخاصتان للاتصالات (سيرتيل وMTN) بمبالغ كبيرة أصحابَ تلك الأبنية للسماح لهما بوضعها على أسطح مبانيهم وفوق رؤوس سكانها، مستغلة حالة الفقر والعوز والتطلع إلى الحصول على دخل جيد، حتى لو كان ثمنه صحة المضطرين وصحة أولادهم، دون الاهتمام بما قد يحدث من وضع تلك الأبراج من أضرار صحية على المدى القريب والبعيد. ثم، لم تكتف شركتا الاتصالات بنصب أبراج التقوية فوق المباني السكنية، بل توسعت دائرة الضرر لتشمل المدارس والمشافي ومعظم أبنية الإدارات والمؤسسات الحكومية، وأخيراً، راحت تعلو خزانات مياه الشرب، وخاصة في محافظة درعا، التي جاءتنا منها شكاوى عديدة، إحداها الشكوى من وجود برج لتقوية الاتصالات فوق الثانوية الصناعية بمدينة داعل، رغم اعتراض وزارة التربية ووزارة الصحة على وجود هذه الأبراج على منشآتها، فأين مدير تربية درعا؟ وأين مدير الثانوية الصناعية في داعل؟!
التأثيرات البيولوجية لموجات محطات التقوية
أظهرت دراسة علمية أجراها معهد (كارولينسكا) السويدي أن تأثير الموجات الكهرومغناطيسية التي تطلقها محطات تقوية البث الخليوي يزيد من خطر الإصابة بالأورام السرطانية بمعدل /4/ مرات، وقد وجد الباحثون أن خطر الإصابة بأورام العصب السمعي قد زاد بمعدل /4/ مرات ايضاً، على جانب الرأس الذي يسند عليه الهاتف المحمول الذي يتبادل الموجات مع محطة التقوية، بينما لم يسجل أي خطر على العصب السمعي على الجانب الأخر من الرأس، ويعد ورم العصب السمعي نوعاً من الأورام التي قد تحدث تلفاً في المخ والأعصاب.
وأشارت دراسة أخرى إلى أن التعرض للموجات الكهرومغناطيسية يمكن أن ينقص تركيز الحيوانات المنوية عند الرجل بمعدل /30%/ مما يقلل فرص الإنجاب، وكذلك فإن هذه الموجات تسبب خللاً وظيفياً في المخ يقود إلى حدوث اضطرابات في النوم وقلق وتوتر وفقدان شهية وانخفاض الوزن، وتسبب زيادة ملحوظة في الطفح الجلدي والحساسية تجاه الغبار حيث تسبب تهيج المواد المثيرة للحساسية في مجرى الدم في الجسم، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور ردود فعل تحسسية لأنها تزيد مستويات مواد كيميائية معينة في الدورة الدموية تؤدي إلى ظهور الأكزيما وحدوث حمى القش والربو.
وأثبتت دراسات أخرى أن التأثيرات الصحية للمجالات الكهربائية والمغناطيسية والكهرومغناطيسية تختلف بحسب تردد الإشعاعات وشدتها وزمن التعرض لها ومدى الحساسية الذاتية للتأثير الإشعاعي عند الفرد أو العضو أو النسيج أو الخلية الحية، وتزداد حدة التأثير الإشعاعي مع زيادة مستوى الجرعة الإشعاعية الممتصة داخل الجسم، ومع تصاعد الجرعات التراكمية، وأن هذه المجالات لها تأثيرات بيولوجية وظيفية تتبلور بشكل فقدان للذاكرة والأرق والصداع، وهذه التأثيرات تزداد بازدياد فترة التعرض لهذه المجالات وقرب الإنسان من منبعها.
الحد الأقصى للتعرض للموجات
يمكن إجمال التأثيرات الناجمة عن التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية في الصداع المزمن والتوتر والرعب والانفعالات غير السوية والإحباط والحساسية بالجلد والصدر والعين، والتهاب المفاصل وهشاشة العظم والعجز الجنسي واضطرابات القلب وأعراض الشيخوخة المبكرة، وإن الخلايا المعرضة لهذه الموجات تفقد القدرة على إصلاح نفسها، ومن ثم تفقد القدرة على العمل. وهناك أعراض عضوية تظهر في الجهاز المخي العصبي وتتسبب بخفض معدلات التركيز الذهني والشرود والتغيرات السلوكية والإحباط والرغبة في الانتحار، وأعراض عضوية في الجهاز البصري والقلب والجهاز الوعائي والمناعي.
جرت الكثير من الدراسات العلمية في معظم دول العالم أنتجت كثيراً من المعايير والقوانين بشأن التعرض للموجات الكهرومغناطيسية، وكانت جميع هذه المعايير والقوانين متشابهة وترتكز على توصيات منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للحماية من الإشعاع بأن الحد الأعلى للتعرض للموجات اللاسلكية المسموح به، وتعتمد درجة سلامة عالية، ويمنع حدوث أثار سلبية على صحة الإنسان هو 0.016 واط/كغ (وهو أقل من جرعة المحمول) وأن التعرض لموجات المحمول بمستوى 8 هيرتز تؤدي إلى تغيرات في الحاجز المخي الدموي، وأن التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية بمستويات من 0.01 إلى 10 مللي واط/سم2 تسبب تأثيرات سيكولوجية منها النسيان وعدم القدرة على التركيز وزيادة الضغط العصبي، وإن التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية بمستويات تبدأ من 120 مللي واط/سم2 يؤثر في وظيفة إفراز الهرمونات من الغدة النخامية الأمر الذي يؤدي إلى خلل في مستوى الخصوبة الجنسية، كما يلحق الضرر بشبكية العين وعدسة العين البلورية.
وتقول الدراسات إن كمية التعرض للموجات الكهرومغناطيسية تقل كلما ارتفعت هوائيات محطة التقوية عن الأرض، لذلك يجب وضع الهوائيات على أبراج حديدية مرتفعة وبعيدة عن التجمعات السكنية.
سوابق اعتداءات على أملاك خاصة
كانت «قاسيون» قد نشرت حول المشكلة المستمرة منذ العام 2006 بين شركتي الخليوي من جهة، وأهالي قرية «بصير» في محافظة درعا من جهة أخرى، حول تركيب برج البث، ووصولها إلى حدود خطيرة، بعد لجوء الشركتين إلى العنف في قمع الأهالي المعارضين لتركيب برج البث فوق خزان مياه الشرب في وسط القرية! وكان الأهالي قد بذلوا طوال أعوام خمسة كل ما بوسعهم للحؤول دون تركيب البرج فوق خزان مياه الشفة، متَّبعين كل الطرق السلمية والقانونية المتاحة، بما فيها التفاوض مع الشركتين لإقامة البرج الجديد، ونقل برج «mtn» القائم إلى مكان خارج القرية، كما رفعوا عبر الصحافة نداءات لوزير الصحة في أكثر من مناسبة، وطلبين مقدمين لوزير الإدارة المحلية ووزير الاتصالات والتقانة يوم الأحد 15/8/2010، ناهيك عن المحاولات مع الجهات الرسمية المتعددة في المحافظة، ولكنها جميعها قوبلت بالتسويف والإهمال، كما توجه وفد من أهالي قرية بصير لمقابلة المحافظ بتاريخ 4/8/2010، حاملين تواقيع ما يزيد عن 500 مواطن، ومجموعة من الوثائق التي تؤكد الأضرار الناتجة عن هذه المحطات البرجية (بما فيها تعميم وزارتي التربية والصحة بضرورة إزالة الأبراج من على أبنيتهما). على أمل تحديد أماكن بديلة تحقق الغاية الفنية وتبعد الضرر عن أهالي القرية.
ومع ذلك تفاجأ أهالي القرية يوم الخميس 19/8/2010 بقيام شركة (سيريتل) مدعومة بمؤازرة من شرطة منطقة الصنمين، بتجديد محاولة تركيب البرج ضاربة عرض الحائط بكل التوجيهات ومحاولات التفاوض بين الطرفين، وقد باشروا بتركيب البرج متبعين أسلوب العنف والتهديد أيضاً.
الجدير بالذكر أن هذا الخزان أشادته مؤسسة مياه درعا على أرض ليست ملكاً لها، وقد تصرفت بما لا تملكه تصرف المالك حين سمحت بتركيب البرج عليه، وأعطت لنفسها الحق بالسماح بتركيب البرج وهي تدرك أخطار هذه الأبراج على السلامة العامة وعلى الحاجات الأساسية للناس من ماء ومزروعات وسواها، دون مراعاة لأي اعتبار، مدعية أن هناك تعميماً من رئاسة مجلس الوزراء يسمح لأية جهة في الدولة أن تستفيد من الأملاك العامة لخدمة المصلحة العامة، وكأن الإضرار بصحة الناس كما هي الحال فيما يجري في قرية بصير هو مصلحة عامة! .
واعتداءات متكررة على الأملاك الخاصة
وفي اعتداء مماثل شكت إلى «قاسيون» سبع عائلات وريثات لعقارين من مدينة إزرع ـ ذنيبة في محافظة درعا، تعرضَهم للظلم والاعتداء مرتين: المرة الأولى باستيلاء مؤسسة المياه على أراضيهم المجاورة لمنازلهم وبناء خزان لمياه الشرب عليها دون قرار استملاك، وبالتالي حُرِموا من تعويض ثمن الأرض الذي يمنحهم إياه قرار الاستملاك الرسمي، والظلم الآخر بنصب برجي تقوية لشركتي الاتصالات (سيرتيل وMTN) على هذا الخزان، ورغم ما يشكله هذا من خطر على الصحة العامة، وعدم قدرة هذه العائلات على الاعتراض، فقد حُرِم أصحاب العقارات من الحصول على العائدات المالية المستحقة لهم، والتي قد تعينهم على مواجهة ما قد يصيبهم من أمراض، وحاجتهم إلى العلاج لاحقاً. بينما حصلت مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في درعا على كامل العائدات بدون وجه حق، حيث أجَّرت ما لا تملكه بعقود موقعة مع شركتي الاتصالات، أحدهما مع شركة سريتل منذ تاريخ 15/1/2002 وتصرفت بموقع الخزان تصرف المالك بملكه، مع أن هذا غير قانوني، وأطلقت يد الشركة للتصرف بأملاك الغير، وأعطت الكثير من الضمانات والالتزامات مقابل بدل الإيجار السنوي المتفق عليه وهو /5000/ ل.س للمتر المربع من الأرض الملاصقة للخزان، و/400/ ل.س للمتر الواحد من سطح الخزان، ويكون بدل الإيجار السنوي لكامل المساحة المستأجرة من حرم الخزان /489600/ ل.س وهذا المبلغ تأخذه مؤسسة المياه في درعا دون وجه حق، وتحرم منه أصحاب الأرض المالكين الأساسيين للعقار.
العقد الثاني وقعته مؤسسة المياه مع شركة أريبا للهاتف الخليوي بتاريخ 21/12/2006 وببدل الإيجار نفسه للمتر المربع الواحد بحيث يكون المبلغ الإجمالي للإيجار السنوي 212100 ل.س أيضاً تأخذه مؤسسة المياه في درعا دون وجه حق، فإذا كانت كل المحاولات والاعتراضات ورفض السكان لنصب أبراج التقوية فوق المدارس والمشافي وخزانات مياه الشرب لم تنفع، ولم يوجد هناك من يردع شركتي الخليوي ويجبرهما على إبعاد أبراج التقوية عن التجمعات السكنية ومصادر الأذى الصحي للناس، فإن أصحاب العقارات الحقيقيين من حقهم الحصول على العائدات المادية المترتبة على نصب أبراج التقوية على عقاراتهم لتكون لهم سنداً ورصيداً على الأقل عندما يحتاجون علاجاً مما قد تسببه لهم هذه الأبراج.
على أمل القرارات الصحيحة
هذا همٌّ وطني صحي بحاجة لمعالجة جذرية على مستوى الوطن، خاصة مع غياب نص تشريعي قانوني ينظم عمل هذه الأبراج وتوزعها بما يحقق التواصل مع ثورة الاتصالات، ويرفع الضرر عن المواطنين عبر إبعاد خطرها الجغرافي من فوق رؤوسهم. وإن الأعباء التي يمكن أن تتحملها الدولة من أضرار الخليوي كعلاج أمراض السرطان والقلب والتنفس، تفوق بمرات عديدة حجم المكاسب المحققة من تركيب هذه الأبراج فوق رؤوس الأهالي، وهو ما سيكون بمنزلة كارثة بيئية وصحية على مستوى سورية فيما لو استمرت الحالة على ما هي عليه، أي تركيب الأبراج في الأماكن التي تحقق كلفة أقل لشركات الخليوي، وضرراً أكبر للناس، خاصة وأن أضرارها لا تظهر بشكل مباشر وإنما بعد سنوات من تركيب الأبراج كما حصل في ركن الدين، حيث ثبت وجود 13 حالة مرض سرطان في مبنى سكني واحد، إضافة لاحتراق أشجار الزيتون في منطقة صيدنايا، والناتجة حسب أحد مهندسي الاتصالات عن خلل في البث البرجي، وضياع ثروة كبيرة من مواسم العسل عند المربين في محافظتي درعا والسويداء، حيث سببت الموجات الكهرومغناطيسية حالة ضياع عند النحل الذي فقد بوصلة العودة إلى خلاياه، وغيرها الكثير من الحالات المسجلة والتي تهملهما شركتا الخليوي عند أية محاولة لتركيب هذه الأبراج.