من الذاكرة: ودارت الأيام
بعد المسابقة الثانية لانتقاء مدرسين للعام الدراسي 68 ــ 69 وكنت حينها أدرس في ثانوية الزبداني بريف دمشق، جرى تعييني مدرساً لمادة اللغة العربية في ثانوية عفرين، وقد حمل قرار التعيين صيغة نادرة الحدوث من حيث تشابه الأسماء.. وهذه الصيغة هي: «يعين المدرس محمد علي طه مدرساً لمادة اللغة العربية في ثانوية عفرين بدلاً عن المدرس محمد علي طه المنقول للتدريس في ثانوية الزبداني»...
وتفسير ذلك باختصار أن الاسم الأول اسمي بينما الاسم الثاني هو لمدرس من بلدة الزبداني... أمضينا معاً مدة أربع سنوات دراسة في جامعة دمشق قسم اللغة العربية.. ونحمل الاسم ذاته وقد اختلفنا أكثر من مرة في معرفة «الناجح» ببعض المواد... مما دفعنا إلى كتابة اسم الأب لنعرف الناجح الحقيقي فصار اسمي محمد علي بن محمد سعيد طه وصار اسمه محمد علي بن محمد سليم طه.. هكذا لم يعد هناك احتمال لأي التباس جديد في الاسم، والطريف هو أننا عندما كنا نلتقي في الجامعة ونتبادل التحية كان يقول لي: كيف صحتي؟! بدل «كيف صحتك؟» وكان أصولياً متزمتاً.. وعندما قدمت قرار التعيين إلى مدير المدرسة واسمه علاء عجان استغرب الأمر ونادى على أمين السر وقال هذا الأستاذ غير الأستاذ محمد علي طه المدرس عندّنا!.
المهم أمضيت العام الدراسي في ثانوية عفرين وكان عاماً غنياً جداً بالعطاء والنتائج، فقد اكتسبت محبة وتقدير الطلاب وساهمت إلى حد كبير في رفع وعيهم الوطني والطبقي ما ترك تأثيراً كبيراً عليهم انعكس سلبياً على الإدارة التي وجدت فيه نقيضاً لتسلطها السافر على الطلاب.. وقبيل انتهاء العام الدراسي.. جاء قرار من تربية حلب بنقلي إلى جرابلس على الحدود التركية.. ما دفع الطلاب إلى القيام بإضراب ضد هذا القرار، فقمت باللقاء معهم وطلبت منهم وقف الإضراب خوفاً عليهم مما قد يصيبهم على أيدي الإدارة التي كثيراً ما كانت «تؤدب» من لا يكون طوع أمرها بإحالته إلى مركز الأمن الملاصق لبناء الثانوية!! وأوضحت للطلاب أن نقلي من مدرسة إلى أخرى أمر عادي جداً!! وقد قيل لي فيما بعد إن وفداً من أولياء الطلاب التقى محافظ حلب شتيوي سيفو وطلبوا منه التوسط لدى التربية لإعادة المدرس المنقول لأنه موضع احترام ومحبة جميع الطلاب فكان جوابه: أنا الذي أمر بنقله... بالمناسبة فالمحافظ المذكور كان أحد ضباط الأمن الذين تولوا التحقيق في مراكز المباحث وفي سجن المزة العسكري مع الرفاق الشيوعيين المعتقلين خلال عهد الوحدة ومن الرفاق الكثيرين الذين تعرضوا للتحقيق والتعذيب الرفيق عمر السباعي ودارت الأيام فأصبح الرفيق عمر وزيراً للمواصلات وشتيوي سيفو محافظاً لحلب وعندما زار الوزير حلب كان المحافظ المذكور في مقدمة مستقبليه عند مدخل المدينة أهلاً وسهلاً سيادة الوزير!!
وكنت قبل أن أترك ثانوية عفرين قد نشرت في مجلة الحائط للثانوية القصيدة التالية التي قامت الفرقة الفنية لاتحاد الشباب الديمقراطي السوري في أواسط السبعينيات بتلحينها وغنائها كنشيد من أناشيد اتحاد الشباب:
سوف نبقى
يا رفاقي لن نطلا
وسط أجفان الدجى
كالمرايا ساطعين
إن لم نبطن صفحة العينين
فلاً ولهيبا
يا رفاقي.. حولنا سم الأفاعي
جوعها الملعون يمتص الأغاني
من شرايين الجياع
يا رفاقي كل حسون وزهرة
كل أوجاع البيادر
كل أعصاب المصانع
كل شيء... لو جبنا
لو لمرة
سوف يغضب
يا رفاقي.. فلنكن أغرودة
فوق المصاعب
فوق فوق الخوف نبقى
كالمرايا ساطعين