لا يموت حق : إلى المحاماة... سِر..!!!

لا يموت حق : إلى المحاماة... سِر..!!!

ابن أحد أصدقائي طالب يدرس في كلية الحقوق بهدف أن يصبح محامياً ومن هذا المنطلق دفعه الفضول ليطلب مني اصطحابه معي ليزور المحاكم فكان له ما طلب، إلا أني اشترطت عليه أن يكتفي بالنظر لكل ما يشاهده بعينه ويسمعه بأذنه ومن ثم يدون ما شاهده وما سمعه لأجيبه عليه

فكتب لي قائلاً:

بالأمس... دخلت القصر العدلي وأخذت أتجول في أروقة المحاكم ... وراعني أني لم أجد ما كنت أتوقعه.. فلا محامون يلبسون الثوب الأسود ولا مرافعات مجلجلة ... حتى أني لم أفرق ما بين المحامي وصاحب القضية.. والكل يركض جيئة وذهاباً.

وجدت قاعات مغلقة يقف على أبوابها الكثير من المحامين متأففين بانتظار أن يفتح لهم الآذن.

قال لي البعض هناك محاكم لا تباشر أعمالها إلا بعد الساعة الحادية عشرة وبعضها الآخر إلى وقت متأخر من ذلك.

دخلت إحدى المحاكم وجدت أكثر من ثلاثين محامياً يتدافعون بالمناكب أمام قوسها وما إن يصل الواحد منهم أمام القاضي حتى يأخذ بالهمس.. ماذا يقول له .. لا أحد يسمع .. ثم يمسك دفتراً وقلماً ويسجل فيه موعد التأجيل. وكأن الهدف هو تأجيل الدعوى.

الغريب أن الكل في عجلة من أمره فلا تراه يخرج من بهو المحكمة المكتظة إلا ويتنفس الصعداء.... كابوس وانزاح عن صدره...

في محكمة أخرى كانت أقل ازدحاماً لم أجد القاضي بل الكاتب وكان هو الذي يدون سطراً أو سطرين ويعطي موعد التأجيل ثم يرمي الإضبارة جانباً ليمسك غيرها بتراخي يثير الأعصاب .

المهم بقيت أتجول إلى أن تبعني رجل استوقفني ودون مقدمات أخذ يزين لي كفاءة أحدهم ومن أنه هو الذي يخرج «الزير من البير» ظناً منه أن لي قضية وأرغب بالتوكيل ولما أفهمته أنني لا أريد توكيل أي من المحامين، عندها انتحى بي جانباً وبلهجة هامسة اصطنع فيها النخوة وقال: أعرف الكثيرين ..عليك فقط أن تدفع وأنا أضمن لك النتيجة ..طبعاً ضحكت في سري ... أي نتيجة... وأي بهدلة.. وعرفت فوراً مهمة هذا الرجل وماذا يريد، لقد كان نصاباً لم تلقِ العدالة القبض عليه بعد.

ثم التقيت محامياً التحق بالمهنة حديثاً تربطني به معرفة قديمة استضافني إلى قاعة المحامين لشرب فنجان قهوة، بالرغم من وجود الملصقات الكثيرة على الباب والتي تقول :ممنوع دخول غير المحامين ...أدهشني الاكتظاظ في القاعة ولم أجد كرسياً أجلس عليه وعجبت ماذا يفعل كل هؤلاء (( ما شاء الله )) هل العدالة حقاً بحاجة إليهم جميعاً .... أم أنها منفذ لبطالة حملة الشهادات هل هذه حقاً هي مهنة المحاماة ؟؟!!! أين ذاك المحامي الذي يلبس الرداء الأسود، ويدافع عن موكله بصوت يهدر كالرعد... على النقيض وجدت محامين يتكلمون مع القضاة همساً وبكثير من التحسب كلمة أو اثنتين ثم ينصرف الواحد منهم إلى أمره. إذا كان الأمر كذلك فما هي ضرورة تعلم فن الخطابة والجرأة الأدبية والتمكن من الفقه القانوني...

أستاذ أنا على أبواب التخرج من كلية الحقوق فحبذا لو أجبتني.

ابن صديقي محق، فالذي رآه غير ما يجب أن يكون والاستفاضة في الحديث عما رآه وعن أسبابه قد يحرجني، ويحرج غيري لذلك أجيب عن البعض.

تزاحم المحامين أمام قوس المحكمة مع موكليهم ظاهرة لم تكن معروفة في السابق والحق يقال إن المحامي بريء من أسبابها بل هو ضحيتها، أما عدم التفريق بين المحامي وموكله وهو في غمرة عمله اليومي ينتقل من محكمة إلى أخرى يرافع في هذه ويراجع في تلك ..يصبح لبس الثوب إعاقة أكثر منه ضرورة لذا ينزع الثوب ويمضي مسرعاً لإنجاز أعماله .

أما المرافعات التي يقصدها ابن صديقي والتي رآها في السينما أو يسمعها في حكم العدالة فهذه لا تزال قائمة ولكن أمرها انحسر بسبب كثرة الدعاوى، واقتصر على محاكم الجنايات فقط ومن الخطأ الشائع الاعتقاد أن الصيحات العالية والحركات والتلويح بالأيدي والكلام القاصف كالرعد هي من المرافعات.

أخيراً: إن الغرض الأساسي من المرافعة هو الإقناع..إقناع المحكمة بصواب القضية وإبراز الفكرة واضحة المعالم في ذهن القاضي بأسلوب لطيف والشرط الأساسي في كل مرافعة أن يكون المحامي مقتنعاً بها، فالمحاماة مهنة اقتناع ومن ثم إقناع وهكذا تؤدي المحاماة غرضها في خدمة العدالة.