مسابقة التربية تفرز قرارات مضادة للتوظيف
ماهر عدنان فرج ماهر عدنان فرج

مسابقة التربية تفرز قرارات مضادة للتوظيف

«الشخص المناسب في المكان المناسب».. كثيراً ما نسمع هذا الشعار على لسان المسؤولين دون أن يعوا معناه أو مدلولاته، وما يترتب عليه من آثار إيجابية في دفع عجلة التقدم والتطور إلى الأمام.

وخير دليل على أن هذا الشعار وضع ليقال فقط، هو القرارات التي أسفرت عنها مسابقة التعيين التي أجرتها وزارة التربية مؤخراً، خاصةً بعد أن تم اختيار /5574/ خريجاً وخريجة من قسم الإعلام والأقسام الأخرى من أصل /450000/ خريج لتعيينهم في وظائف إدارية لا علاقة لها باختصاصهم في مديريات التربية في المحافظات!.

ونتيجة لندرة فرص العمل، وجد معظم الخريجين الجدد أنفسهم مضطرين لقبول هذه الوظائف الإدارية، ولكن هذا يجري على الرغم من أن وزارة التربية قد افتتحت مؤخراً قناةً فضائيةً تختص بالتربية والتعليم «الفضائية التربوية السورية»، والغريب أن الوزارة لم تعين أياً من الخريجين في هذه المحطة علماً أن العمل فيها من صلب اختصاصهم الذي درسوا تفاصيله الواسعة خلال أربع سنوات طويلة في الجامعة.

وصحيح أن في هذا الأمر تراجعاً واضحاً عن شعار الشخص المناسب في المكان المناسب، إلاّ أن المشكلة لا تكمن في هذا الأمر تحديداً، بل في آلية التعيين ذاتها.. إذ تم تعيين عدد من الناجحين في مسابقة وزارة التربية في محافظات غير محافظاتهم أيضاً، مع شرط يمنعهم من الانتقال إلى مديرية التربية التابعة لمحافظتهم قبل مرور خمسة أعوام على تعيينهم في محافظة أخرى!.. الأمر الذي سيجبر الكثير من الناجحين في المسابقة على التخلي عن هذه الفرصة وخصوصاً الخريجات منهم.

قد يكون هذا القرار مقبولاً بالنسبة للخرجين الذكور على الرغم مما سيتكبدونه من مشاق ومصاعب مادية قد لا يستطيع راتب التعيين وحده الوفاء بها، خصوصاً أن هذه الموظف سيضطر للبحث عن مكان للإقامة سيستنزف معظم راتبه، ليبقى فمه مفتوحاً للهواء معظم أيام الشهر.. إلا أن الأمر يبدو مستحيلاً وغير مقبول بالنسبة للخريجات الإناث، ولاسيما أننا في مجتمع لم يعتد أن يتقبل بعد فكرة إقامة الفتاة بمفردها في مكان بعيد عن أهلها في حال كانت غير متزوجة، والأمر بالطبع أكثر تعقيداً للمتزوجات، لأنهن في حال قبولهن بهذه الوظيفة سيضطررن إلى ترك أزواجهن وأولادهن، إلى غير ذلك من معوقات ستقف في وجه عمل المرأة المتزوجة، ما يضعها بين فكي كماشة؛ فإما أن تقبل الوظيفة أو تتخلى عنها لمصلحة أسرتها اجتماعياً.

وإذا أخذنا الناجحين والناجحات من دمشق، سنجد أن معظم المحافظات التي تم تعيينهم فيها بعيدة نسبياً عن أماكن سكنهم: حمص والحسكة والرقة وحلب ودير الزور والقامشلي.. وأقربها إليهم محافظة القنيطرة التي تستغرق على الأقل ساعة ونصف ليصلها الموظف الجديد، وهذا من شأنه أن يضيف ثلاث ساعات إلى معدل ساعات عمل الموظف (جيئةً وذهاباً) المحدد بثماني ساعات.

يبدو أن المسؤولين في وزارة التربية لم يأخذوا بالحسبان مصلحة الموظف عند إصدار قرارات التعيين، ولم تقم الوزارة بدراسة وضع هؤلاء البشر والصعوبات التي ستترتب على قبولهم للوظيفة في محافظة أخرى، كالمصاريف الإضافية التي لا تتناسب مع راتب التعيين مثلاً.. فعلى أي أساس تم توزيع الناجحين في المسابقة على مديريات التربية في المحافظات؟ علماً أن الناجحين ينتمون إلى عدة محافظات الأمر الذي يمكن معه تعيين كل موظف في محافظته.

ما الهدف من مثل هذا القرار؟ وهل كتب على خريجي الجامعات أن يدفعوا أثماناً تفوق إمكاناتهم لشكر المسؤولين على كرمهم بتقديم ما هو واجب عليهم؟ وهل طبق القرار على أبناء المسؤولين ممن تقدموا إلى المسابقة أم تم تعيينهم قرب منازلهم؟!.. كلها أسئلة تستحق الإجابة عنها.. ولكن لا حياة لمن تنادي!.