مراكز إيواء «مهملة» في دمشق ومتطوعون يصفون الحال بـ«المزري» «قمل وجرب وأمراض نفسية»... و«البيروقراطية» تعرقل العمل التطوعي

مراكز إيواء «مهملة» في دمشق ومتطوعون يصفون الحال بـ«المزري» «قمل وجرب وأمراض نفسية»... و«البيروقراطية» تعرقل العمل التطوعي

«تركه أهله بعمر الـ9 سنوات في مركز للإيواء، فتقربت منه نازحة طاعنة في السن، ليست سليمة عقلياً (عالبركة)، تعاني صعوبة في النطق، ونتيجة تعلقها بالطفل وتعلق الطفل بها، تقمص الأخير شخصيتها وأصبحت لغته ركيكة وتصرفاته شبيهة بالعجوز، وأضحى التعامل معه صعباً جداً». قصة هذا الطفل ليست الوحيدة التي تحدث عنها بعض المتطوعين لصحيفة «قاسيون» واصفين الحال بـ»المزري» في بعض مراكز الإيواء

صحيفة «قاسيون» جمعت معلومات عن بعض مراكز الإيواء جنوبي دمشق، بعد لقائها أشخاصاً عملوا ضمن جماعات تطوعية، أخذت على عاتقها رعاية النازحين فيها قدر المستطاع، فكانت الأوضاع فيها «يرثى لها» بعض الأحيان، على حد تعبيرهم.

أطفال لايفهمون العربية ومفصومون!!

«هناك طفل يعاني من انفصام الشخصية، وطفلان آخران تركهما والداهما في مركز للإيواء، أحدهما بعمر السنتين والآخر 3 سنوات، هم من الإخوة الأكراد ولا يتحدثون العربية، ما أدى إلى فقدانهم للكثير من الرعاية، كوننا نجد صعوبة في التفاهم معهما للوقوف على حالتهما النفسية»، بحسب المتطوع «إ.ع»، مفضلاً عدم ذكر اسمه، الذي وصف حال أحد المراكز جنوبي العاصمة دمشق بـ»المرزية»، مشيراً إلى عدم «وجود أية جهة مختصة تتبنى مثل حالة هذين الطفلين».

«أمراض نفسية، وحالات صرع، وانفصام شخصية، ولا يوجد أطباء مشرفون نهائياً، أو أدوية لهذه الحالات» هكذا هي الحال الصحية من الناحية النفسية في المركز الذي تحدث عنه المتطوع «إ.ع»، لكنه في الوقت ذاته لم ينكر وجود «صيدليات بسيطة أو طبيب متطوع غالباً ما يكون طالباً، في مراكز إيواء أخرى»، مؤكداً «عدم وجود جهات صحية رسمية» هناك.

وأضاف أن «نظافة المركز لم تتعد الـ20%، وكانت الغرف بحالة سيئة، الأوساخ في كل مكان، والمعني بالتنظيفات بشكل مباشر هي الجماعات الخيرية أو المتطوعون، لكن لا يمكن إنكار محاولات إدارة المركز بالتنظيف يومياً، إلا أن سوء نظافة بعض العائلات والأشخاص الموجودين داخل المركز، تزيد من المشكلة».

الأوساخ وسوء النظافة، رتبت نتائج سلبية خطيرة، فبحسب المتطوع «إ.ع» فقد انتشرت عدة أمراض بين الكثير من الأطفال مثل (القمل، الجرب، الربو)، مشيراً إلى «عدم وجود أي اهتمام بهذا الصدد من الهيئات القائمة على المركز بسبب قلة الميزانيات والدعم المالي».

دور رسمي محدود ووجبة غذائية واحدة

ومن جهة أخرى، وصف المتطوع «ف.ع» دور الجهات الرسمية في بعض مراكز الإيواء «بالمحدود»، وقال: «ينحصر عمل الجهات الرسمية في بعض المراكز بتوصيل مواد تموينية مثل الأرز والسكر والبرغل، وبكميات قليلة لا تكفي سكان المركز غالباً، نتيجة زيادة عدد الوافدين بشكل يومي على العدد المسجل لدى المعنيين».

 وأضاف المتطوع «ف.ع» أن «مهمة الجهات الرسمية تنتهي في المراكز عند توصيل كميات المواد التموينية هذه ثم تنسحب» مشيراً إلى أنه «بعد وصول المواد الغذائية، هناك مسؤولون داخل كل مركز قد يكونون جماعات خيرية تطوعية أو تابعين لوزارة الأوقاف، يقومون بالطبخ والتوزيع على الناس بمقدار وجبة واحدة يومياً، وهي وجبة الغداء فقط، بحكم أن ما يتم استلامه هو أرز لا يمكن توزيعه على الفطور مثلاً».

وتابع إن «90% من المراكز التي قمنا بزيارتها لا يوجد فيها متابعة من الجهات الرسمية للوقوف على الأضرار النفسية أو نقصان الأدوية على سبيل المثال، فلم نلاحظ وجود أدوية تقدمها الحكومة في مراكز الإيواء التي زرناها، مع العلم أن هناك حالات مستعصية تحتاج للعلاج».

تأمين الأدوية مشكلة كبيرة في بعض مراكز الإيواء، لا يمكن تأمينها من المعنيين رسمياً، أو من المتطوعين، وبحسب المتطوع «ف.ع» فإن «الجماعات التطوعية تقدم أحياناً الأدوية والعلاج للحالات المستعصية، مع الدعم النفسي، ويمكن أن يساعدوا بتأمين وجبات الفطور والخبز، لكن ذلك يتم بصعوبة، ولا يمكن تغطية كل النقص، نتيجة ضعف الإمكانيات المادية التي تملكها هذه الجماعات، عدا عن الزيادة التي تشهدها المراكز يومياً».

سرقة المساعدات في ظل البيروقراطية

رغم محدودية استطاعة الجماعات التطوعية، وضعف الدور الرسمي داخل مراكز الإيواء، بحسب المتطوعين الذين تحدثوا لـ «قاسيون»، فقد كان عمل هذه الجماعات مرهوناً بموافقات «بيروقراطية» حدت غالب الأحيان من حرية عملهم.

في حين قال المتطوع «س.ع.ا» إنه: «بعد أزمة مخيم اليرموك، حاولت جماعتنا إيصال بعض التبرعات للمراكز التي لجأ إليها سكان المخيم، إلا أننا واجهنا جداراً كبيراً جداً يسمى محافظة دمشق، حيث اشترطت علينا في حال رغبنا بإدخال مواد الإعانة أن يتم ذلك حصراً عن طريقها، لذلك حاولنا التواصل مع (أحد المعنيين بجهات أخرى ذات نفوذ) لتجاوز المحافظة».

وأردف المتطوع «س.ع.ا» أنه «تبيّن لنا في بعض الحالات وجود تلاعب بالكميات التي أرسلناها للمراكز، وقد شاهدنا ذلك ولمسناه فعلاً في مراكز الإيواء بمخيم اليرموك قبل الأحداث التي لحقت به أخيراً، كأن نتبرع بكمية معينة، وتصل إلى المركز كمية أخرى».

وعن سبب ذلك أوضح المتطوع «س.ع.ا» أن «المحافظة لديها 3 لجان مختصة بموضوع إيصال التبرعات لمراكز الإيواء، تقوم اللجنة الأخيرة بتوزيع المساعدات بشكل مباشر على المركز، ونتيجة لوجود 3 لجان، ظهرت حالات الفساد».

وأضاف «طلبنا تقديم نشاط ترفيهي للأطفال في أحد مراكز المزة، إلا أن طلبنا قوبل بالرفض التام، وطلب منا إحضار موافقة المحافظة، مع العلم أن محافظة دمشق ليس لديها أية أنشطة من هذا النوع في المراكز».

المحافظة بررت حصر التبرعات عن طريقها، بأنها المعنية بهذه المراكز فهي من قام بافتتاحها، وهذا الحصر يتم غالباً للجهات المتبرعة من منظمات وأحزاب وما إلى ذلك، بحسب المتطوع «س.ع.ا».

متطوعون قدموا الطعام بالأرجل

التقت «قاسيون» أحد سكان مراكز الإيواء في دمشق، الذي وصف لنا معاناته فيها منذ اليوم الأول وحتى لحظة إعداد هذا التحقيق، وقال النازح «و.ن» إن «الغرفة  التي نزلنا فيها كانت عبارة عن صف، قمنا بتنظيفها وإخراج المقاعد منها وترتيب المكان بأنفسنا، ولم يقم أحد بمساعدتنا، حيث قمنا بتأمين مستلزمات التنظيف على نفقتنا الخاصة».

وأضاف «في البداية، واجهنا صعوبة بالغة في الحصول على الطعام، وقد كان هناك بعض عناصر الجماعات التطوعية يقدمون الطعام لنا بالأقدام بدلاً من الأيدي، وعند توزيع الملابس مثلاً، كانت ترمى على الأرض بطريقة سافلة بعض الأحيان، ليتشاجر عليها المحتاجون».

هذه الأمور، وبحسب النازح «و.ن»، تم تداركها من إدارة المركز بعد فترة، وحلت بشكل نهائي، لكن نظام المركز الذي شبهه «بالسجن» لم يحل بعد، فقد قال إن «استقبال الزوار داخل المركز أمر ممنوع، ولا نعرف ما السبب، حيث تكون الزيارة عن طريق خروج النازح للقاء الزائر خارج أبواب المركز، حتى لو كان الزائر من مركز إيواء آخر».

وأضاف النازح «و.ن» «هناك أوقات محددة للدخول إلى المركز مساء، وبعدها تغلق الأبواب، فإن تأخرنا على هذا الموعد نمنع من الدخول، وقد يضطر البعض للنوم في الشارع، وقد حدثت هذه الواقعة مع أحد طلاب الجامعة، مع العلم أن ظروف الأزمة الحالية قد تمنع أي شخص من الوصول في الوقت المحدد».

وبحسب التصريحات التي أدلى بها المتطوعون لـ «قاسيون»، فقد أكدوا على وجود مراكز إيواء في دمشق وصفوها بالـ «خمسة نجوم»، وعددها محدود، في حين هناك مراكز عديدة «مهملة» من جميع الجوانب، والنزلاء فيها يعانون الأمرين يومياً، ما يتطلب رعاية أكبر من الجهات المعنية بتقديم جميع الخدمات والحاجيات المعيشية والطبية الضرورية لنازحي مراكز الإيواء، لتخفف عنهم معاناة النزوح والتشرد والفقر والجوع والمرض والإهانة وفقدان أبنائهم وبيوتهم في ظل هذه الأزمة الشاملة.