الدواجن ثلاثة في واحد.. إلى أين وإلى متى؟
من قال أن هناك شيئاً مستحيلاً غير المستحيل؟..
إذاً.. فلماذا الإحباط من الواقع المتشرذم للدواجن؟ ولماذا هاجس الخوف من الشركات العالمية للدواجن؟ وأين الجرأة باتخاذ القرارات لتطوير مهنة الدواجن على المستوى الوطني؟ ألا تغنينا نتائجها وتحمينا أيام الأزمات السياسية والاقتصادية، وتحصننا بحيث لا نكون تابعين لغيرنا في هذا القطاع أو ذاك؟.. وماذا إذا كانت الأرضية والخبرة والكفاءة التراكمية موجودة في بلدنا لتحقيق ذلك؟
هناك من يقول إن مهنة الدواجن لا تقبل النظام والتنظيم، ولا ترغب بالضبط والانضباط، فإذا تم ضبط حجم التربية مثلاً فمن يضبط أمور الأعلاف (أسعارها – توفرها – احتكارها – نوعيتها – صلاحيتها)، وإذا تم ضبط أمور الأعلاف فمن يضبط الأمراض والجائحات المرضية؟
من يلزم تجار الفروج وغيرهم بأن يتوقفوا عن نقل ونشر الأمراض على طول الطرقات والمناطق مع تعقيم وتنظيف سياراتهم؟.. في حال السيطرة على الأمراض من يكفل التسويق (شكله – أسعار المنتج) من بيض وفروج وصوص؟ ومن يضبط حاجة السوق من حيث حجم السحب مع عدم تراجع الاستهلاك أمام العرض؟
مما تقدم، وانطلاقاً من أهمية هذا القطاع الحيوي نبين مايلي:
ـ تبين من خلال إحصائيات وزارة الزراعة لعام 2008 أن أعداد المداجن المرخصة وغير المرخصة في البلاد (فروج – بياض – أمهات – جدات) تقدر بـ 11000 أحد عشر ألف مدجنة، مع العلم أن بعضها غير مستثمر.
ـ يعد قطاع الدواجن الوسيلة الفعالة والسريعة لحل مشكلات التغذية البروتينية، حيث تعتبر منتجاته مصدراً بروتينياً رخيصاً، من البيض واللحم، ناهيك عن المنتجات الثانوية (من ريش – سماد – مخلفات الذبح).
ـ يعيل هذا القطاع نحو 5 إلى 6% من السكان في سورية، أي أكثر من مليون شخص.
ـ يضم هذا القطاع في صفوف العاملين به شرائح ومستويات مختلفة من البشر (اقتصادياً – اجتماعياً – ثقافياً)، مع العلم أن الأكثرية التي تعمل فيها من الطبقات الفقيرة والوسطى.
واقع الدواجن في السوق السورية
يتلخص واقع الدواجن في البلاد بعدد من النقاط، أبرزها:
ـ غياب دور مؤسسة الأعلاف عن أداء واجبها تجاه سد الحاجة من الأعلاف، بعد أن كانت تقوم بتأمين شبه كامل لأعلاف الدواجن فيما مضى، وكانت تبيع الأعلاف نقداً ولكن بأسعار مدعومة، ونتيجة لذلك ظهرت أشكال عديدة لعملية البيع:
1- البيع بالدين (تجار الوسطاء ومكاتب الدواجن من جهة وبين مكاتب الدواجن والمربين)، مع ملاحظة أن المربي يمول بالعلف والدواء والصوص، وإذا فشلت العملية والإدارة فقد يصعب الخروج من هذا المأزق..
2- البيع بالأمانة لقاء عمولة (بين الموردين وتجار الوسطاء غالباً).
3- التعامل النقدي لمستلزمات الإنتاج، وهذا يؤدي لانتظام الأمور في مجمل العملية الإنتاجية والتسويقية.
ـ الإشكاليات الناتجة عن ترخيص المداجن سواء من المربي أو من الجهات الرسمية المختصة وكذلك شروط الترخيص وتعقيداته.
ـ وجود المداجن غير المرخصة (عمل من لا عمل له)، وتبديل التربية من أمهات إلى فروج إلى بياض وبالعكس.. الخ.. والتواجد العشوائي لمزارع الدواجن ونفاياتهاالمرضية بشكل ينقل الاصابة.
ـ وجود الوسطاء في بعض الحلقات، والذين يكسبون أرباحاً هائلة في حين يخسر العاملون في هذه المهنة خسائر فادحة، ما أدى لحدوث الخلل.
ـ انتشار ثقافة بيع الدواجن ومنتجاتها حية، وهي الثقافة السائدة بالرغم من خطورة ذلك على البيئة وصحة الإنسان، وكذلك بالرغم من أثرها المتمثل بالفوضى في تسويق المنتجات النهائية للدواجن في الأسواق السورية (حية – مجمدة – مبردة – غير مبردة)، وكذلك البيض المكسور والمكشوف والمختلف الأحجام، ما يؤدي إلى انخفاض في معدل الاستهلاك (قد يكون سوء عرض المنتج أحد أسبابها).
ـ الوسطاء يلعبون الدور الأكبر في رفع الأسعار وليس المنتجون.
ـ أصحاب المسالخ والتجار هم الذين يحددون سعر البيض أو الفروج، ويحتكرون في ذلك إلى مدى الصلاحية المتاح قبل فساد ما يخزنونه.
ـ رفع الدعم عن المازوت- ما أدى لزيادة التكلفة- وفرض الضميمة غير المدروسة على بعض المواد العلفية في أوقات متقاربة (ضربتين على الرأس).
ـ تذبذبات الأسعار في المنتج النهائي (فروج – بيض مائدة)، بسبب قلة العرض، وانسحاب المربين وتوقفهم عن التربية، وزيادة الطلب، واستناداً إلى جودة أو رداءة مواسم السياحة، وحلول شهر رمضان.
ـ ضعف إجراءات الأمن الحيوي.
كيف الإصلاح؟
فيما يلي بعض الرؤى الإصلاحية للمهنة ثلاثية الأبعاد (لأنها تعتمد على الزراعة والصناعة والتجارة):
1- إقامة مشروع وطني استراتيجي للعمل في مجال تأصيل الدواجن بالاعتماد على الخبرات الوطنية، وهي قادرة تماماً على ذلك، وبالتعاون بين كل من: إدارة بحوث الثروة الحيوانية - مديرية الإنتاج الحيواني - مديرية الصحة الحيوانية - وزارة التعليم العالي - مربِّي الجدات في سورية - المؤسسة العامة للدواجن.. وذلك للحصول على الخطوط الأساسية المطلوبة للنهوض بواقع القطاع، وبالتالي الحصول على الجدات والأمهات (علماً أن الجدات قد أدخلت إلى سورية منذ أكثر من عقدين).
2- على الحكومة أن تدرك أن لهذه المهنة دوراً هاماً في الصناعة الوطنية والاقتصاد الوطني، وأن تقدم تسهيلات حقيقية لأصحابها، وهو ما يتطلب تضافر الجهود من الحكومة والمسؤولين عن هذه المهنة لإنجاحها، إذ أن هذه المهنة ثلاثية الأبعاد يجب أن تكون مسؤولة عن نفسها أكثر من أن يكون هناك من يسأل عنها، وعلى غرار أن «أهل مكة أدرى بشعابها»، فأهل هذه المهنة أدرى بمشكلاتها، ومساعدة لجنة مربي الدواجن للقيام بدورها ثم محاسبتها بعد ذلك، فلتطلب الحكومة خطة من الاتحاد ثم تحاسبه عليه.
3- التشدد في الكشف الدوري على قطعان الجدات والأمهات، من خلال الجهات الفنية في وزارة الزراعة (مديرية الإنتاج الحيواني – مديرية الصحة الحيوانية)، والمصالح التابعة لها في المحافظات، والتأكد طبعاً من خلوها من الأمراض التي تنتقل عمودياً، وكذلك الإطلاع على سير العمل والإنتاج وتقديم النصائح والإرشادات الفنية والتربوية والصحية البيطرية، ما يؤمن تنفيذ قانون حماية الثروة الحيوانية في القطر.
4- زيادة اهتمام كليات الطب البيطري والهندسة الزراعية في مجال إنتاج الدواجن، لتوفير الكوادر اللازمة للعمل في مشاريع الدواجن، والإشراف الفعلي على المزارع وتشكيل لجان متابعة الجوائح على مستوى الوزارة.
5- الأمن الحيوي: اتباع أكثر الطرق علمية وعملية للحفاظ على صحة الدواجن، مع ملاحظة أن العوامل التي يرتكز عليها الأمن الحيوي هي:
ـ إجراءات الوقاية العامة،
ـ التعقيم والتطهير،
ـ التلقيح والتحصين،
ـ صحة المياه،
ـ جودة العلف..
وتحقيق ذلك يجب أن يترافق مع إلزام المزارعين بالتحصين ضد الأمراض السارية والفتاكة، إضافة إلى وضع خارطة للأمراض في سورية وتشكيل لجنة دائمة لأمراض الدواجن.
6- إحداث اتحادات نوعية خاصة بالدواجن (روابط – لجان – جمعيات)، مع سن قانون يفضي إلى الاشتراك الالزامي في هذه الاتحادات، وتجمع المربين الصغار من خلال جمعيات تعاونية لمنافسة رؤوس الأموال الكبيرة في هذا المجال، والتعامل معه كمنافس شريف، فهذا هو أحد سبل تنظيم هذه المهنة، إذ يكون لديهم الإمكانات المادية والقدرة على إستجرار المستلزمات نقداً وإحضار الكوادر الفنية والإدارية الكفوءة، وكذلك يجب إيجاد صيغة لتوفير موارد للاتحاد يستطيع تعويض المتضررين (صندوق دعم المربين في الأزمات)، وهذه نقطة هامة جداً لأنها تشجع المزارع على أن يبلغ عن الإصابات المرضية، وبالتالي يمنع بيع الدواجن المريضة، وبالتالي يسهل هذا التحكم بالأمراض وانتشارها.
7- إصدار قرارات لتسوية أوضاع المداجن القائمة وغير المرخصة، وفق أسس تعتمدها الجهات المعنية، وإغلاق المداجن التي لا يمكن تسوية وضعها أو تغيير نشاطها.
8- تنظيم أوقات التربية وحجم التربية ونوعية التربية، بما يؤدي لتنظيم الإنتاج وبالتالي تحقيق استقرار سعري أكبر في سوق الدواجن، وبما يخلق جواً أفضل لتطبيق شروط الأمن الحيوي.
9- التعامل النقدي لمستلزمات الإنتاج يؤدي لانتظام العملية الإنتاجية وتقلص حالات الغش في الأعلاف والعلائق، أما البيع بالدين فيجعل المربي يغض النظر عن رداءة العلف والذي يخلق أمراضاً في قطعانهم فالخسارة.
10- الاستفادة من القطر السوداني الشقيق، فهو لاعب أساسي في هذه الصناعة، والعودة إلى الاتفاقيات الدولية السابقة الموقعة معه بما يمتلكه من أراض خصبة ومياه تكفي لاعتماد باقي الدول العربية عليها بزراعة الحبوب العلفية، إلى جانب التوسع بزراعة الحبوب العلفية (ذرة – صويا) محلياً، وتقديم الدعم الزراعي، وهذا يعني الاستغناء عن استيرادها قدر الإمكان فتحل مشكلة الضرائب ما يؤثر على سعر الصوص وبالتالي المنتج النهائي (بيض – فروج).
11- تحديد حاجة القطر الفعلية من الجدات والأمهات بشكل دوري.
12- إعادة الثقة بين القطاع الخاص ووزارة الزراعة (تشخيص القطاع الخاص لأنفلونزا الطيور جاء قبل تشخيص القطاع العام لها).
13- فحص المواد العلفية والعلاجات المستوردة أو المحضرة محلياً، ومراقبة معامل الأعلاف.
14- اعتماد مبدأ الحماية، على أن يكون راسخاً وواضحاً بتشريعات لا تكون عرضة للتغيير المفاجئ.
15- الحصول على شهادة الجودة من الجهات المختصة لتأمين متطلبات التصدير الخارجي بعد دراسة الأسواق الخارجية، وتتبعها الدعاية المستمرة في تلك الأسواق، و كذلك تنظيم التسويق الداخلي (أشكال من الجمعيات التسويقية لمربي الدواجن بحيث تتولى هذه الجمعيات التخزين والفائض، وإعادة طرحه في أوقات لاحقة أو تصديره أو تصنيعه)، وإنشاء وحدات تبريد وتجميد المنتجات النهائية للدواجن لحل الأزمات.
16- التغلب على ثقافة بيع المنتج المكشوف بإنتاج منتجات مجمدة أو مبردة أو مغلفة توفر المراقبة المستمرة على محلات المنتج النهائي، وخاصة الأسواق الشعبية وإنشاء مذابح آلية متطورة لذبح وتوضيب وتقطيع فروج اللحم.
17- عقد مؤتمرات وندوات وطنية خاصة بالدواجن وإشراك أصحاب المهنة في صياغة تطوير هذه المهنة الثلاثية الأبعاد (تربية – شروط ترخيص – تسويق).
18- إعفاء قطاع الدواجن من الضرائب والرسوم أو تخفيض قيمة الضرائب وإعادة النظر بضريبة الأرباح حيث يعتبر استمرار العمل في الدواجن لمدة / 310 / أيام، في حين أن أيام العمل الفعلية لا تتجاوز / 160 / يوماً / السنة..
وأخيرا لا يسعني إلا القول بأن درب الألف ميل يبدأ بخطوة/ والخطوة بدأت ولو على مستوى الدجاج البلدي في سورية، فأين نحن إذاً من الهجن الموجودة في بلدنا الحبيب؟!.