الرقة تدخل في دائرة النار..!
بعد سنتين من الهدوء والآمان رغم الأزمة التي عصفت بالوطن ورغم وجود قوى القمع وتحول المدينة إلى ملجأ شبه دائم.. وبعد شهرين من استباحتها من المسلحين بمختلف مشاربهم، وتهجير غالبية سكانها ومن لجؤوا إليها من المحافظات الأخرى وخاصةً توءمها دير الزور.. ها هي اليوم تصبح مدينة أشباحٍ تعصف فيها الرياح ولم يبقَ فيها سوى حوالي 15% من سكانها، الذين لا يستطيعون التجول في شوارعها خشية القصف والقنص وخاصةً في الليل.. حتى الكلاب الشاردة غادرتها ولم يبق يتجول فيها سوى حمار أعمى..!؟
دوائر الدولة نهبت وتوقفت عن العمل.. ومعاملها ومستودعاتها شُحِنت إلى تركيا.. أحد المسلحين يعتبر شركة الكهرباء وما تبقى منها ملكاً لبيت مال المسلمين، وفق المحكمة التي أسموها شرعية ويرأسها «دكتور» ويخضع لأميرٍ..!؟
سبعة مليارات ونصف اختفت من «المصرف التجاري» ولا أحد يعرف مصيرها إلاّ من سرقها. بينما العاملون لم يتقاضوا رواتبهم مدة شهرين، وها هم يدخلون الشهر الثالث.. مضخات «بئر الهشم» ما زالت متوقفة بعد القصف، وبالتالي 300 ألف دونم دون ريّ..
محصول «القمح» المتبقي، يأبى الأهالي بيعه للتجار بسعرٍ بخسٍ 17 ليرة، وهم عاجزون عن تسويقه للدولة أو نقله إلى المحافظات القريبة، وأولها دير الزور لأن أجرة الشاحنة 40 ألف ليرة..
محصول القطن لم يزرع، وأسعار البذار والسماد حلقت في السماء، وكلفة حراثة الدونم ارتفعت من 1400 إلى 4000 ليرة سورية.
معمل «السكر» نُهب وخُرب ودُمّر، ومحصول «الشوندر» بقي في الأرض، حتى علفاً لا يمكن استخدامه، لأنّ الثروة الحيوانية تكاد تنقرض والذبح طال الإناث ووصل سعر «النعجة» إلى 40 ألف ليرة.. وسعر الكيلو غرام الواحد من «العلف» وصل إلى 40 ليرة.. والكيلو غرام الواحد من «اللحم» بـ 1000 ليرة سورية..
طلاب الشهادتين (الإعدادية ــ الثانوية) انقطعوا عن الدراسة وتفصلهم أيام معدودات على أصابع يدٍ واحدةٍ عن الامتحانات ولا يعرفون إلى أين يتجهون..
طلاب الجامعة كإخوتهم الأصغر في الشهادتين لم يبقَ لهم من سبيل..
قصف يودي بحياة العشرات بين قتيل وجريح، العنف قائم على قدم وساق، والمسؤولون المقيمون خارج المحافظة يتنعمون، ويطالبون العاملين بالعودة إلى عملهم وإلاّ لن تصرف رواتبهم، وليموتوا قتلاً أو قهراً أو جوعاً.. أو يقعوا تحت سيطرة المسلحين وأوامرهم أو عليهم الالتحاق بدير الزور أو الحسكة، وعليهم أن «يطيروا» فوق الحواجز الأمنية وخاصة في «عياش» وعند «الطلائع» على مدخل دير الزور، حيث يتم اعتقال من يمرّون عليها.. أو يعبرون عن طريق الجزيرة ليصبحوا تحت رحمة المسلحين وهيمنتهم..
من اجتاحها وادعى أنه بديل للنظام مارس النهب والتدمير والاعتقال والقتل والقمع، بل صاروا يمنعون الصحف، ويروجون مطبوعاتٍ خاصة بهم، فيها آيات وأحاديث تبرر أعمالهم وجرائمهم، وأنهم خلفاء الله في الأرض يفتون بما يشاؤون..
المواد الغذائية ارتفعت أضعافاً مضاعفة وكذلك الخضار، لأنها لم تزرع وما يأتيها من ريف حلب لا يمكن مقاربة أسعاره النارية، وحتى ما يسمى مساعدات أصبح يباع لدى تجار الأزمات ومنها «البطاطا التركية» ..
رغم كل هذه المأساة حاول بعض الأهالي تنظيف مدينتهم بما تبقى من جرارات، ويسعى شبابها لتشكيل لجان تحافظ على ما تبقى من أطلال مدينته ويبعثون فيها الحياة، وهم يرفضون طرفي العنف والنهب والقتل ويريدون الخلاص وحلاّ سياسياً سلمياً يحقق التغيير الجذري والشامل، يحقق كرامة الوطن والمواطن ..وقد حاول البعض أيضاً واستطاع الذهاب إلى دير الزور وتحويل بعض الرواتب لقسم من دوائر الدولة..
فمن ينقذ الرقة ويخرجها من دائرة النار التي لم ولن تكون برداً وسلاماً عليهم..؟