حديث السويداء
مفتاح أي حديث عام في السويداء: «يلعن أبو هالحرامية... ما متنا بالرصاص بدهن يموتونا ذل وجوع...!». بالفعل بلغت وقاحة تجار الأزمة ونفوذهم من فاسدي جهاز الدولة درجة العماء، الواقع المفجع يصعب على المرء تصديقه، كل منطقة من سورية لم تنج من عجائب ومفارقات الأزمة إلا أنها في السويداء بأكثر أشكالها فجاجة
ليس خافياً على أحد من عموم أبناء المحافظة الاتفاق الوطيد _الضمني سابقاً والمعلن حالياً_ بين التجار الكبار المسيطرين على المواد الاستهلاكية بمختلف أصنافها واستخداماتها وبين المتحكمين بالقرار في الجهاز التنفيذي، فالمحروقات والرز والسكر والدجاج واللحم والخضروات والفواكه والمتة..الخ، باتت جميعها كوابيس يعانيها من يعيش في السويداء أضعافاً مضاعفة عن أية منطقة أخرى في سورية. الأدلة والحوادث كثيرة وخطيرة، فكم من تاجر هدد الجهاز الرقابي أنه في حال تنفيذ الغرامات والعقوبات اللازمة بحقه سوف يوقف دخول المواد إلى المحافظة، أي بشرح بسيط هو الوحيد القادر على تأمين تلك المواد ولا اعتبار أبداً للدولة و مقدراتها ودورها في تأمين حاجات الناس، فالنهج الليبرالي الذي ما زال الجزء الأكبر من حكومة الأغلبية يصر على تطبيقه كان قد فتح على مدى السنوات العشر الماضية كل المنافذ أمام القطاع الخاص وأضعف القطاع العام وخسّره حتى استطاع تغييب دوره الراعي و الحمائي لأغلبية الشعب، واستمرار هذا النهج اليوم، بل والمغالاة في تطبيقه جعل الناس بهذا الضعف والعجز أمام حيتان المال والنهب والفساد لتمارس دورها اللاوطني واللاإنساني، ولنا فيما حدث في محافظة الرقة نموذج صارخ.
«يريدون الدم في المحافظة، هم يريدون ذلك..» يعلنها كل عامل وموظف وربة منزل وطالب مدرسة، هذا التخوف من استمرار الاحتقان والاستفزاز حتى نقطة الانفجار وسيطرة الفوضى، التحذير من هذا الخطر ليس مجازاً ولا توقعاً فالإحباط الناتج عن عجز النظام وتخلف بنيته وعقليته والأخطاء الكثيرة المتكررة وغياب القرار السياسي الحقيقي بضرب الفساد ، وبالمقابل النموذج غير المرضي وحتى اللاوطني في جزء كبير من المواقف التي اتخذتها أجزاء كثيرة من المعارضة، وما نتج من مآسٍ وخسائر للبشر والحجر بسبب الصراع العبثي الدامي بين الطرفين، كل ذلك أوصل الناس إلى مراحل متقدمة من اليأس والعجز وهي الأرضية المناسبة للاعقلانية والفوضى وضرب الحس الوطني، وما نقول قولنا هذا إلا وقد شهدنا سنتين من تكرار الأحداث ذاتها بالتراتبية ذاتها والدمار والموت ذاته..