فساد معلن ونهب للمال العام في سد الفرات العظيم
رشاوى وابتزاز وشراء مناصب وسط صمت الجهات الوصائية، مدير يسرق كابلات نحاسية بمليون ل.س، مدير يكبد المؤسسة خسائر بـ6 مليارات ل.س، مدير يسرق مليونين وثمانمائة ألف ليرة سورية يسجن ويعاد للعمل، مدير عام يقال من عمله وبعد 3 أيام يدفع 2 مليون ليرة سورية ويعود للعمل.
الفاسد ومن يتستر على الفاسد في خندق واحد، ويجب أن تطالهما المساءلة في جرم واحد، أقول ذلك لأن رئيس نقابة أهم مؤسسة إنتاجية في سورية وجه مذكرة مع الوثائق الدامغة إلى وزير الري وإلى وزير الزراعة وإلى رئيس الوزراء يتحدث فيها عن فساد معلن ورشاوى وابتزاز بمئات الملايين من الليرات السورية أبطالها الطاقم الإداري في المؤسسة العامة لسد الفرات، ولم تتلق النقابة رداً، وأمام تستر الجهات الوصائية وصمتها على نهب المال العام رفعت تقريراً عاجلاً إلى رئيس الجمهورية شرحت فيه الواقع.
لن نسأل لماذا لم ترد الجهات الوصائية على المذكرة؟ أو لماذا لا تشكل لجنة للتحقيق في نهب المال العام؟ لن نجتهد كثيراً في الإجابة فهي واضحة أمام عجز الجهات الوصائية وعجز المؤسسات بشكل عام عن اتخاذ القرار في محاربة الفساد ومحاربة الفاسدين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام العجز عن اتخاذ القرار من الجهات الوصائية: أين اتحاد عمال المحافظة والاتحاد المهني والاتحاد العام لنقابات العمال؟! نتساءل لأن النقابات لها ممثلون في اللجان الإدارية والمجالس الإنتاجية وفي مختلف الهيئات، في كل الشركات والمؤسسات فأين دور هؤلاء؟! لن نجتهد كثيراً في الإجابة أمام تقرير رئيسة نقابة عمال سد الفرات الذي رفعته إلى رئيس الوزراء وإلى وزير الري وإلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، ومن ثم إلى رئيس الجمهورية.
من الواضح عجز ممثلي العمال في المجالس واللجان الإدارية عن الإشارة إلى الفساد والمطالبة بمحاسبته، إما بسبب طغيان المدير العام أو أنهم شركاء في الفساد. أقول ذلك لأن رئيسة النقابة إما أنها رفعت تقاريرها إلى اتحاد المحافظة والاتحاد المهني ولم تتلق رداً، أو أنها لم تخاطب الجهات النقابية الأعلى لعلمها بعجز هذه الجهات عن اتخاذ موقف تجاه الإدارات الفاسدة. وفي الحالتين الأمر يستدعي من القيادة النقابية في الاتحاد العام الدعوة لعقد مؤتمر يتم فيه تقويم عمل ممثلي العمال في اللجان الإدارية والمجالس الإنتاجية، ووضع برامج سنوية لمحاسبة هؤلاء عن أدائهم في الشركات والمؤسسات.
واقع سد الفرات
المؤسسة العامة لسد الفرات من أهم وأكبر المؤسسات الإستراتيجية الهامة كانت تتبع لوزارة سد الفرات من عام 1967 وحتى عام 1983 ثم أصبحت تابعة لوزارة الري. وأهمية هذه المؤسسة كونها تقوم باستثمار ثلاث منشأت هامة هي: سد الفرات وسد البعث وسد تشرين مع محطاتها الكهرمائية الثلاث، وتشكل هذه السدود مدرجاً مائياً مؤلفاً من ثلاث بحيرات مائية كبيرة يبلغ مخزونها 16 مليار م3 من المياه كما تبلغ الاستطاعة المركبة للمحطات الثلاث 1505 ميغاواط، وأكبر هذه المحطات محطة الفرات الكهرمائية ذات الاستطاعة المركبة 800 ميغاواط وهي أقدم محطة على نهر الفرات، وقد بدأ التوليد فيها عام 1974.
تقرير رئيسة النقابة يقول: «أقدم المهندس يحيى سلامة المدير العام لسد الفرت مع عماد قاسم مدير المالية على تكبيد مؤسسة سد الفرات مبلغ 6 مليار ل.س، خسائر فادحة دفعتها المؤسسة إلى الفلاحين نتيجة التأخر في إعطاء ثمن الأراضي المستملكة التي غمرت من سد تشرين وسد الفرات، وكان الفلاح يدفع لهؤلاء رشوة بحدود 250 ألف ل.س، وكان المدير العام ومدير المالية يحصلان على هذه المبالغ عن طريق أسعد الصالح مدير الشؤون الإدارية الأسبق. «هناك وثيقة مرفقة».
وحصل أسعد الصالح على مليونين وثمانمائة ألف ل.س «وفق مستند قانوني أرسل إلى رئيس الجمهورية». وصدر قرار من وزارة الري بإقصاء أسعد الصالح من عمله وسجن لمدة 20 يوماً، وبعد أن أنهى سجنه عينه المدير العام رئيساً لدائرة إدارية مع كافة الميزات، وهو متهم من قبل قاضي التحقيق بالثورة بجرم رشوة ونفوذ، وحصل أيضاً عن طريق سائقه خالد الأحمد على مبلغ 200 ألف ل.س، وانقطاعه عن العمل تم تبريره من قبل عماد قاسم، وجملة المبالغ التي حصل عليها عماد قاسم ويحيى سلامة تبلغ 150 مليون ل.س من كافة القرى المستملكة. في حين محمد الشريف معاون مدير الشؤون الإدارية والقانونية كان يقبض الأموال عن طريق حوالات الإكسبريس».
أيضاً بالوثائق المثبتة
عبد الله داوود مدير المحطة الحالية أقدم على سرقة كابلات نحاس من المحطة تقدر بمليون ل.س، باعها في حلب، وهناك شهود على ذلك، ودفع المدير العام أمولاً طائلة لإخفاء الحقيقة وتبرير مسؤوليته عن حرق المحطة الكهربائية بالاتفاق مع مدير المحطة السابق رشيد جحجاح، ودفنت الحقيقة وأُغلق الملف، وحمِّلت المسؤولية لمهندسين شرفاء.
تم توقيع عريضة من قبل العمال في سد الفرات وعددهم 300 عامل شرحوا فيها الواقع وحضر مدير الرقابة الداخلية في الوزارة «دسوقي» إلى مدينة الثورة واستجوب عمالاً وموظفين ممن وقعوا العريضة وكانت النتيجة: «التستر ودفن الشكوى» ولكن صدر قرار بإقالة المدير العام، وخلال ثلاثة أيام دفع مبلغ 2 مليون ل.س في مجلس الوزراء السابق وأعيد إلى منصبه.
فساد واضح
كادر إداري يمارس الفساد والفجور علناً في غياب الجهات الوصائية أو بموافقتها، وتُنقَل كوادر هامة من مكان إلى آخر بسبب المحسوبيات، ومنهم المهندس قصي الجاسم والمهندس علي هلال. والمهندس جهاد البطل، ورئيس لجنة الإصلاح والشراء دفع مليون ل.س لشراء منصبه.
عبد الله خليفة رئيس لجنة المشتريات اشترى قطع غيار من تجار حلب وحماة بمبلغ 9 مليون ل.س، وأخذ المبلغ من المؤسسة ولم يدفع ثمن القطع للتجار، فأقاموا عليه دعاوى قضائية وسجن في حماة لمدة ثلاثة أشهر، وكان المدير العام يرسل له الأموال خلسة كي لا يعترف عليه بالسرقات، وعندما خرج من السجن سلمه المدير العام منصب رئيس الحرس بالمؤسسة مع كافة الميزات.
المهندس رياض الحسن سرق من الاستملاك 10 مليون ل.س، ورشحه المدير العام لمنصب مدير التخطيط، وعليه عقوبات من الهيئة المركزية بتهمة فساد ورشوة.
عبد الإله خليفة مساعد مهندس حصل على رخصة مقلع بطريقة غير قانونية، سجن لمدة 20 يوماً بتهمة فساد ورشوة، والتهمة في محكمة مدينة الثورة.
محمد الشريف تولى المسؤولية القانونية في دائرة الاستملاك، يقبض الأموال بواسطة الإكسبريس في مدينة الثورة من الفلاحين المستملكة أراضيهم،
عماد قاسم مدير المالية حصل على مبلغ 700 مليون ل.س، وهناك شهود.
تيسير المهباش رئيس مركز دمشق ومخلِّص جمركي بآن واحد تلاحقه الهيئة المركزية بحدود 4.5 مليون ل.س.
وهناك العشرات من رؤساء اللجان في إصلاح الآليات والمشتريات حصلوا على مناصب يدفع كل واحد منهم مليون ل.س.
أخيراً يشير تقرير فوزية المضهور رئيسة نقابة عمال سد الفرات إلى ما يمتلكه بعض المدراء من أملاك تم شراؤها بعد أن عملوا بالمؤسسة، وهذه الأملاك بمئات الملايين، وتناشد رئيس الجمهورية قائلة: «هؤلاء جلبوا إلى سورية الخراب والدمار، خرقوا الأنظمة والقوانين، وأساؤوا الأمانة الملقاة على عاتقهم». وتردف قائلة: «نحن ألف عامل في سد الفرات، أزيحوا هذا الكابوس عن صدر الطبقة العاملة، وأحيلوهم إلى القضاء»
ملف للفساد ينتظر من يفتحه ويحقق فيه، عسى أن تطال العقوبة الفاسدين وناهبي خيرات الوطن، وليس الشرفاء حملة الأمانة بصدق وأمانة.....