شبعنا من تصريحاتكم
يتشاطر المسؤولون في بلدنا لإعطاء تصريحات مطمئنة، وكل حسب اختصاصه، ولم يبق وزير في هذه الحكومة إلا وأدلى بدلوه، وصال وجال في هذه المؤسسة وذاك المشفى، وفاجأ العاملين بزياراته الخاطفة مسلحاً بـ«جيش» من الإعلاميين ليدلي بتصريحات تريد القول بأن البلاد تسير إلى هدوء من كل النواحي، وتجلت هذه التصريحات أكثر ما تجلت فيمايخص العقوبات الاقتصادية الأوربية ومؤخراً العربية.
أراد الجميع أن يخفف، ويهوّن من مخاوف المواطنين، وأنه ليس هناك ما يستدعي القلق والخوف على المستقبل من جانب السوريين من جميع النواحي وخاصة المعيشية والخدمية، وأن كل ما يقال هنا وهناك هو من باب تهويل المشاكل الصغيرة التي لا تستدعي كل هذا الاستنفار.
ولعل أبرعَ المسؤولين السوريين في إشباع الشعب بالتصريحات هو وزير النفط الذي قال مراراً وتكراراً إن أزمة المازوت والغاز في طريقها للحل، وحاول سيادة الوزير جاهداً أن يدخل الدفء إلى أجساد أطفال سورية بفعل تصريحاته المطمئنة عن قرب الانتهاء من الأزمة، ولكن من شديد الأسف ظلت أسنان السوريين تصطك من شدة البرد الذي فاجأالمسؤولين حسب تصريحات بعضهم، وبقيت أرتال وطوابير الناس الغلابة تزداد وتطول، بل تعدّى الأمر موضوع الوقوف في طوابير طويلة من أجل الحصول على بضعة ليترات قليلة تردُّ لسع البرد عن أصابع وعظام الصغار، وتطور الشجار على الدور والخلاف عليه إلى وقوع حالات كسر أضلاع، بل تعرض البعض للقتل في بعض مناطق من البلاد.
لقد حدد الوزير خمسة أيام، ليتم القضاء على ظاهرة الطوابير البردانة والباحثة عن دفء ما يعيد الروح إلى وهن الأجساد، مرت خمسات الأيام، ولكن الأرتال ازدادت طولاً بدل أن تقصر، وأطفال كثيرون لم ينعموا بعد بـ«الدفا» الذي كان «عفا» في غابر الأيام بل تجمدت لياليهم كما أحلامهم.
ويبقى السؤال: لماذا لا تكون الحكومة صريحة وواضحة مع المواطنين؟؟ ولماذا تتقن إتحافنا بالتصريحات التي سرعان ما يتبدى لنا مجافاتها للواقع، وبعدها عن التحقق؟؟ لماذا لا تقر الحكومة بالخطأ مهما كان جسيماً لتعرف كيف تحله، وبالسرعة القصوى؟؟
نقول لهؤلاء إن الشعبَ شبع من تصريحات المسؤولين الخلبية، ويريد حلولاً واقعية لمشاكله الكثيرة!!