شبكة فساد مكشوفه تتولى توزيع وتسعير الغاز في أحد أحياء دمشق  إلى متى الاستخفاف بحقوق المواطنين يا.. حكومة!

شبكة فساد مكشوفه تتولى توزيع وتسعير الغاز في أحد أحياء دمشق إلى متى الاستخفاف بحقوق المواطنين يا.. حكومة!

ما تزال أزمة الغاز الثانية مستمرة وتتفاقم في الكثير من أنحاء البلاد، ويساهم استمرارها بكشف ملابسات كانت خافية (أو مخفية) عن الناس، سواء من حيث تحكم حفنة من الفاسدين بمفاصل الأزمة أو من حيث تجاهل «الجهات المختصة» لمظاهر نشاط هذه الحفنة الذي بات علنياً في الآونة الأخيرة.

 عايش مواطنون مقيمون في منطقة المهاجرين بدمشق حالة فساد متكاملة يوم الاثنين 4 حزيران الجاري، حيث تعرفت أعداد منهم، وجهاً لوجه، إلى ما قد يسمى بالعرف القانوني «شبكة فساد»، يحركها موظفون في (محروقات- الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية)؛ ويتوسط فيها سائقو (السوزوكيات)، و«يشاهد» مجرياتها، دون تدخل، عناصر من قسم شرطة الصالحية.

بدأت القصة كما رواها المواطن (م.إ) الذي زار مكتب «قاسيون»، لدى محاولته استبدال أسطوانة الغاز من سيارة توزيع حكومية كانت متوقفة في ساحة «آخر الخط»، حيث أخبره الموظفون القائمون عليها بأن ما لديهم  أسطوانات فارغة، وأنهم ينتظرون استكمال «الفوارغ» قبل أن يعودوا أدراجهم إلى مركز توزيع عدرا، ولكن هذا أثار شكوكه، فعادةً ما يأتي المواطنون بفوارغهم إلى السيارة ليستبدلوها ثم يذهب كل إلى شأنه، فأين هم الناس، وأين هي الفوارغ؟! هذا ما لم يجب عنه الموظفون!.

لم ينتظر (م.أ) طويلاً قبل أن تتوافد (السوزوكيات) إلى المكان محملةً بالفوارغ.. فصار الجواب واضحاً لديه: ما تم تخصيصه من أسطوانات غاز ليباع مباشرةً للمواطنين، تم تحميله-عملياً وتحت أنظار عناصر الشرطة- في (السوزوكيات) ليتم توزيعه بـ«معرفة» سائقيها الذين ظهروا وكأنهم مندوبو تسويق لدى موظفي «محروقات».. وما كان مقرراً له أن يباع بـ400 ليرة تم بيعه بـ1500 ليرة على أقرب تقدير!.. وهو ما لم ينفه الموظفون، بل وأكدوه بقولهم للمتسائل: «ساوي اللي بدّك ياه»!.

المواطن «ساوى اللي بدّو ياه» ورفع كاميرا جواله ليلتقط صورةً للحمولة التي يجري تفريغها من (السوزوكي) إلى سيارة التوزيع الحكومية، فما كان من «أعضاء الشبكة» إلاّ وأن ازدادوا غبطةً وسروراً وابتسموا للكاميرا، على مبدأ «أخي المواطن.. أعلى ما بخيلك ركاب»!.

لم تنته القصة عند هذا الحد، بل استتبعها (م.أ) بالاتصال برقم الشكاوى ليطلع «الرقباء» على الأمر، فكرروا له المقولات الرسمية التي تدور حول آليات التوزيع وحق المواطن بالحصول على أسطوانة الغاز.. الخ، دون أن تصدر عنهم أية أفعال ملموسة، فسيارة التوزيع التي زودهم المشتكي برقمها وهو (892215) ما زالت تعمل على الخط، بكادرها النوعي نفسه- وقد شوهدت في اليوم التالي بالحي نفسه-، ثم استتبع (م.أ) ذلك بالذهاب إلى ضابط في قسم شرطة الصالحية ليضعه في صورة ما يجري على مسافة 400 متر فقط من القسم، فاشتكى له هذا الأخير صعوبة الحصول على جرار الغاز، وصعوبة عمل الشرطة في هذه الظروف، ولكن ما أن أخبره المواطن بأنه التقط صورةً وثّق بها الحدث حتى سارع إلى عرض خدماته للمساعدة في تأمين أسطوانة غاز ممتلئة للمواطن بمجرد مرور سيارة التوزيع مرة أخرى!.

بقي (م.أ) دون ملء الأسطوانة ذلك اليوم، شأنه شأن العشرات في حيّه، والآلاف في دمشق، وربما مئات الآلاف في عموم سورية، لكن محال «السندويش» وأشباهها، وبيوت أصحاب هذه المحال وأشباهها، لم تشعر بالضائقة، وإن كان من قلق قد يساور هؤلاء فسرعان ما انتهى مساء اليوم التالي، فالسيارة الحكومية المذكورة زارت حي خورشيد في المهاجرين مساء الثلاثاء، ويبدو حسب شهود عيان أنها خصصت ما تحمله من جرار لأصحاب المحال وأصدقائهم والقادرين على الانخراط بالفساد ودفع 1500 ليرة سورية ثمناً للجرة، وفقط!.

أوضح صديقنا (م.أ) أنه سارع عند الساعة السادسة من مساء الثلاثاء إلى مكان وقوف سيارة التوزيع، وأنه لم يتفاجأ بوجود (السوزوكيات) حولها، فهي كما بدا له باتت جزءاً من العملية، تماماً كما هم عناصر الشرطة؛ إذ يجب أن تكون سيارة التوزيع محمية، وميسرة الأعمال!.

هذه المرة، قال سائقو (السوزوكيات) إنهم «مندوبو» الفرقة الحزبية، وإن ما يحمّلونه في صناديق سياراتهم مخصص لأعضاء الفرقة الحزبية، علماً أن بإمكان سيارة التوزيع التوجه مباشرةً إلى فرع الحزب وتزويد الأعضاء هناك بالجرار الممتلئة دون وسيط، ولكن قليلاً من التمحيص في الأمر، والاستماع إلى الأحاديث الجانبية التي تدور بين سائقي (السوزوكيات) وبعض المواطنين، يكشف الحقيقة؛ فالـ«مندوبون» ما هم إلاّ سماسرة يحملون عبء الجدال بين موظفي «محروقات» من جهة والناس من جهة أخرى، بهدف رفع سعر الأسطوانة إلى أعلى سقف ممكن، وهو بحكم العرف الذي ساهم صمت الرقابة بتكريسه 1500 ليرة، أما ما لا يباع للسكان، فيذهب بـ«الجملة» إلى المطاعم والمقاهي- سواء أكانت قريبةً من المكان أم بعيدة عنه.. وحين حاول صديقنا تسجيل أرقام السيارات الوسيطة ازداد إصراراً على إيصال ما شاهده إلى «قاسيون»؛ فمعظم لوحات (السوزوكيات) مشوهة الأرقام، والرقم الوحيد الذي استطاع تسجيله هو (529525)..

فهل تستطيع الرقابة النفاذ إلى سجلات الحكومة لمعاقبة من يلزم؟ وهل تستطيع إدارة المرور الوصول إلى صاحب (السوزوكي) ومن ثم تسليمه إلى «الجهات المختصة» علّها تكشف الشبكة من أساسها وحتى رأسها؟ وهل يستطيع الضابط في قسم شرطة الصالحية تأمين الغاز لجميع سكان المنطقة المسؤول عنها بـ«معرفته»؟..

هذا ما تنتظر «قاسيون»، والمئات من المواطنين، الرد عنه!.