صندوق «العّوز» الحكومي.. السوريون يتحولون إلى «متســــولين»
المرسوم التشريعي رقم 9، والذي قضى بإحداث الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، يهدف إلى تقديم معونات دورية أو طارئة، بالإضافة إلى سعيه لتمكين المستفيدين اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وتعليميا من خلال برامج ينفذها الصندوق أو مؤسسات وبرامج التمكين المختصة، أي أن الصندوق في جوهره جاء لدعم وإعانة الأسر السورية الأكثر احتياجاً ليس إلا، متناسياً أن هناك من هم في صفوف المحتاجين لا يشملهم الصندوق بأحكامه أو بقراراته.
صندوق المعونة جاء لتشريح الشعب السوري، ولكن لم يحدد على أية أسس ومعايير سيتم هذا التشريح، فالشريحة الأولى الأكثر احتياجاً «فقراً» ستحصل على معونة شهرية لرب الأسرة تقدر بـ3500 ليرة سورية، أي ما يعادل في العام الواحد 42 ألف ليرة سورية، أما الشريحة الثانية فلها مبلغ 2500 ليرة سورية شهرياً، أي في العام 30 ألف ليرة سورية، أما الشريحة الثالثة فأقر لها مبلغ 1000 ليرة سورية أي في العام تحصل على مبلغ 12 ألف ليرة، كما أقر للشريحة الرابعة مبلغ 500 ليرة سورية لكل أسرة شهرياً وهو ما يعادل في العام 6000 ليرة سورية، فما هي المعايير التي سيتم على أساسها تحديد الحد الفاصل بين الفقير والأفقر؟! وما الذي سيضمن شفافية ودقة المعلومات التي ستقدم؟!.
إذاً، الصورة ماتزال ضبابية في حدها الأدنى، فالصندوق، ولكي لا يفرح السوريون، جاء لإعانتهم وليس لإعالتهم، والتي تأتي بمعنى المساعدة المؤقتة لا أكثر، والحسابات بالأشهر طبعاً، كما أن هذا الكرم الحكومي ليس بديلاً عن دعم مادة المازوت، وإنما يتضمن دعماً لكل المواد الأساسية اللازمة للأسرة من المواد الغذائية والنقل والطاقة ومستلزمات التعليم والصحة.
فإذا كان دعم المازوت من ضمن هذا الصندوق، فإن هذا يعني أن الزمن قد سبق القرار الحكومي، فالشتاء والبرد اقتربا من الانتهاء، والمحتاجون على موعد مع شهر شباط لكي يحصلوا على المعونة الحكومية، فلو كلف أحد من المسؤولين عن صندوق المعونة، أو أتى لأحد الكازيات لوجد الناس تشتري المازوت «بكالونات» الخمسة ليتر، لأن إمكاناتها وقدرتها الاقتصادية لا تسمح لها بأكثر من ذلك..
فالحكومة قررت إنفاق 12 مليار ليرة تقريباً على صندوق المعونة، وهو ما لا يتعدى ثلث مبلغ الدعم الذي حصل عليه السوريون العام الماضي لدعم مادة المازوت وحدها، أي أن الدعم بهذه الحالة يكون قد انخفض 200%، والحجة الدائمة، هي إيصال الدعم لمستحقيه، أو بالأحرى للأكثر عوزاً، وبالتالي تحول الدعم من حق للمواطن يتوجب على الحكومة تقديمه، إلى منة سيحصل عليها السوريون بعد تقديم شهادات وإثباتات تدل على عوزهم وفقرهم، ليكونوا هو من شريحة الأكثر عوزاً، وهذا ما يتعلق بالجانب الاجتماعي الحقوقي الذي ينتهك به المواطن السوري الآن من زاوية حاجته وضروراتها.
أما البعد الأشمل والأعم في قضية صندوق «العوز» الاجتماعي هذا، هو أنه لا يتعدى كونه آخر مقدمات إلغاء الدعم عن مادة المازوت المقترح على طاولة الحكومة، عبر صندوق «يميع» قضية الدعم عبر إدخال أصحابها بتعقيدات كثيرة، وربطها بقائمة من الشروط، كما أن «طنبرة» الشعب السوري –شكلياً- بصندوق للمعونة يشمل مواد كثيرة، عبر الإغراء أولاً بحجم المعونة المقدمة ما هو إلا مقدمة لرفع أسعار الكثير من مشتقات الطاقة وغيرها من المواد الأخرى، والتبرير سيكون حاضراً وقتها، إننا سنقدم لكم دعماً مقابل عبر صندوق المعونة الاجتماعية، ليبقى ارتفاع الأسعار بعدها هذه المواد الأساسية سيد الموقف، بينما يتلاشى الدعم تدريجياً إلى حدِ التآكل الكلي في المستقبل المنظور كغيره من آليات الدعم الأخرى (الدعم التمويني مثلاً) الذي أنهته الحكومة بالتقادم، فما عاد أحد يطالب بهذه المواد التموينية الآن إلا نادراً لأن الحكومة باتت تقدمها كل ربع أو نصف عام بالمصادفة.