مطبات: ذات الأنف الطويل
لا يغيب ذلك الأنف الطويل لتلك الممثلة عن خيالي كلما شاهدتها في عمل جديد، ولا يشعرني بغيابه أنفها الجديد الذي وصلت إليه بعد أربع عمليات تجميل، وكل محاولاتها لاستبدال الأنف القبيح بآخر إغريقي.
وبحسب إمكانياتي المتواضعة في التحليل أعيد الأمر إلى أنها لم تستطع أن تسحب من ذاكرتي صوتها الحاد، وحركات يديها الطويلتين، وقفزاتها الذكورية، وظهرها المحني قليلاً بسبب طولها... ولهذا بقي الأنف الطويل في ذاكرتي يشكل اختصاراً دائماً لصورتها.
مثال الممثلة المذكورة خطر لي وأنا أقرأ عن قرار الحكومة الجديد بإحداث هيئة عامة للارتقاء بمناطق السكن العشوائي، وإحداث الصندوق الوطني للارتقاء وإعادة تأهيل هذه المناطق، وتأمين البدائل والإمكانات والمستلزمات الفنية والقانونية للبدء بتنفيذ مشاريع التأهيل في المحافظات.
الحكومة، في قرارها الجديد، قررت على غير عادتها البدء بتنفيذ مشروعين في دمشق وحلب، ورصدت من أجلهما في الخطة الخمسية الحادية عشرة (طبعاً) مبلغ 10 مليارات ليرة سورية، والمشروعان هما إعادة تأهيل منطقة قاسيون في دمشق، ومنطقة الحيدرية بحلب.
وزير الإدارة المحلية في حديثه للصحفيين، شرح كيف ستعيد الحكومة تأهيل المنطقتين، فالحيدرية في حلب ستعالج وفق مفهوم التهذيب والتجديد، فيما ستكون معالجة منطقة سفح جبل قاسيون من خلال إعادة الارتقاء الكامل بها، وما يتطلبه ذلك من هدم وإعادة بناء من جديد.
وهنا تطل أسئلة صمتت الحكومة ومحافظة دمشق عن الإجابة عنها تارة، و(طنشتها) بإرادتها مرات، هل الحديث عن الصدع الجيولوجي الذي يهدد ساكني قاسيون بالسقوط إلى مشارف المزة صار في أدراج مدير التنظيم العمراني مجرد مذكرة ودراسة قديمة، والخطر الهائل تصالح مع الـ4000 عائلة سورية كانت تتحدث عنهم المحافظة.
لماذا طويت الدراسة الجيولوجية، ولم تعد تتردد في أحاديث إياسو عن مشاريع المحافظة، وفي الوقت نفسه مازالت البيوت تتصدع وتغور، والخطر الداهم يتعاظم بعد سنين على الدراسة.
والسؤال الدائم مع ذكر محافظة دمشق، لماذا تتهافت المحافظة على تنفيذ مشاريع المداخل الرئيسة لدمشق، وتبذل في سبيل بهرجتها وتزيننها مئات الملايين، وتركن في زوايا مكاتب الطوابق الأنيقة مشاريع تحمي روح المواطن قبل راحته.
أليس مشروعاً بحجم تأهيل قاسيون الذي تطرحه وزارة الإدارة المحلية أولى من شق شارع في تنظيم كفرسوسة لتسهيل وصول المتسوقين إلى مركز (مول)، وبالوقت نفسه يعلق سكان الشارع في بيوت الإيواء على أطراف دمشق؟.
وفي غمرة المشاريع وإصلاحاتها، وإعادة دراسة بعضها، وتوقف البعض.. مازالت محافظة دمشق تضع لمساتها السحرية لتزيين ضاحية السومرية، ومازال مهندسوها يفكرون في آلية إزالة المحلات التي تمنع إكمال مدخل دمشق الجنوبي، وفي وسط الطريق السريع الجميل يقف الجسر الكهربائي بانتظار من يضغط زر تشغيله فيما المواطن ما زال يمارس عبوره المميت.
بالعودة إلى حديث الوزير، اعترف سيادته بفشل حل قمع مخالفات البناء في مناطق السكن العشوائي، وأن تأمين السكن البديل هو الحل الوقائي الأفضل.. هنا يبدو أن السيد الوزير لا يعلم أن عشرات العائلات ما زالت من أكثر من ثلاث سنوات تنتظر وعود محافظة دمشق، وتطمينات مدير تنظيمها العمراني، وتعيش مع تصريحاته عن إنجاز وحدات سكنية في ضواحي قدسياوسواها.. فيما مشروع الحسينية صامد كأفضل مشاريع المحافظة الصالحة لإيواء مستحقي السكن البديل؟
أما بخصوص المخططات التنظيمية التي تصغر وتكبر كما يشاء مستثمروها، فاستنتج السيد الوزير هذه العبارة: (الانتهاء من مشروع قانون جديد لتنفيذ المخططات التنظيمية في المدن كافة يتيح التخلص من الاستملاكات التي كانت موجودة دون الحاجة لاستملاكات جديدة لهذه الغاية).
الأنف الطويل في مشاريعنا المحلية لن تصلحه عطارة التجميل.