انتخابات (إدارتنا) المحلية...  هل ينجح الحبر السري «وحده» في ضمان شفافيتها؟

انتخابات (إدارتنا) المحلية... هل ينجح الحبر السري «وحده» في ضمان شفافيتها؟

◄ عبد الرزاق دياب

أكثر المتفائلين لا يعتقد أن انتخابات إدارتنا المحلية ستوصلنا إلى أفضل مما نحن فيه، ويتجرأ أحدهم على الأقل بالقول: إن كانت ستأتي لنا بالقامات نفسها التي كانت على كراسي المرحلة السابقة، فالأحسن استمرار الحاليين في عملهم دون عناء البصمة التي ستمهر بالحبر السري.

لكن من يرون نوراً في نفقها يعتقدون أنهم قادرون على العمل، وهؤلاء هم فقط المرشحون الجدد، والخاسرون الدائمون الذين يحفظ الناس أسماءهم عن ظهر قلب، وهي ليست أكثر من محاولة جديدة للوصول إلى مقعد غير مؤثر في بلدية نائية.

أما من يرى الانتخابات (كما بالأمس)، مجرد منافسة عائلية، فما يزال يخوضها كمعترك لكرامة العائلة، وسمعتها التي يجب أن لا يعتليها مرشح وضيع من أسرة منافسة لا أصل لها.

الانتخابات المحلية التي من المأمول أن تنجب قادة محليين مختلفين لا يفصلها سوى أيام قليلة، ولكنها تجربة في أيام تحول، وسيرة ديمقراطية تحتاج إلى قصّاصين جدد.

تفاؤل مشروط

المواطنون الذين سألناهم هم في الغالب، غير مستعدين لنقاش القضية من أصلها، وهذا ربما يعود إلى أنهم ينتمون إلى شريحة عانت ويلات صوتها، وتعرف عن قرب أن الأمر لا يعدو سوى إعادة استنساخ المرشحين من المادة نفسها.

ولكن لا يمنع هذا من محاولة البحث عمن لديه رأي واقعي، أو على الأقل يقبل الحديث بصوت حقيقي عن فرصة لاسترداد مؤسساتنا من واقع مؤلم باعترافنا جميعاً بغض النظر عن اصطفافاتنا.

أبو يونس: هناك بعض الوجوه الجديدة، ولكنني لا أعتقد أنها تمتلك فرصة للوصول، والعقلية التي أنتجت (زلم) البلديات، والمكاتب التنفيذية في المحافظات والمدن.. لم تتغير.

رئيس بلدية سابق: أنت تعرف أن تجربتنا السابقة وقف في وجه إنجاحها كثيرون، لا يمكن أن تكون رئيس بلدية ناجحاً وسط موظفين في غالبيتهم فاسدون ومرتشون.

أم راتب: (روح شوف) مشروع الصرف الصحي الذي نفذه المتعهد صاحب رئيس البلدية، وهذا المتعهد نفذ كل مشاريع البلد، (ولك) حتى أغلب مشاريعه تم توقيفها لسوء المواصفات ومن ثم بقدرة واحد أحد أكملها.

موظف بلدية: (بيناتنا) يقصد بيننا... في عقود الإيجار، والمناقصات، والظرف المختوم، والمخالفات، وتسويات مخالفات البناء، والاستملاك، والتعويضات بكافة أنواعها، والمخططات التنظيمية.. كل هذا صالح للرشوة، وبعيني هذه التي سيأكلها الدود شاهدت الهدايا، والموظف الذي لا يتجاوز راتبه 8 ثمانية آلاف ليرة يشتري سيارة في سنة، ويملك جهاز موبايل أحدث (نوكيا)، وفاتورة بالألوف.

المواطن (س. ر): مساعد المهندس الذي يجوب الطرقات والحواري باحثاً عن أية (عضاضة) جديدة مقابل 1000 ليرة، وبنفس الوقت يتفق مع المواطن على المخالفة مقابل مبلغ معين ثم يتنصل منه عند أي سؤال، فثمن التطنيش غير ثمن المخالفة... هل تضمن هذه الانتخابات أن لا يكون هؤلاء هم أسياد المدينة؟.

فساد.. مكرر

لأنهم يتكررون دائماً وإن اختلفت الأسماء، فهم على قياس من يرشحهم.. هكذا يقول مرشح مستاء، وعلى وشك أن يسحب ترشيحه.

يسرد المرشح الجديد ما يعرفه عن القائمة المعلنة، ويفتح كفيه مستغرباً من موافقة الجهات الرسمية لهؤلاء على الترشح بعد أن ثبت بالدليل القاطع عدم أهليتهم وصلاحيتهم، والأدهى أنهم يتحدثون عن مرحلة مختلفة، وأن لديهم برامج للإصلاح، وهم لم يحتملوا دخول مواطن يشتكي لمكاتبهم، بل إنهم ينظرون إلى المواطن كمحتاج لهم، وليس هو من أتى بهم لخدمته.

يقول عباس: المستغرب أن هذا المرشح تم إقالته من رئاسة البلدية بمرسوم جمهوري، وهاهو يعود من جديد، وأثناء قيادته لمجلس المدينة طرد أكثر من مواطن من مكتبه، وعندما يكون المواطن من النوع المتمرس يقوم بإدعاء المرض وأن السكر ارتفع عنده.

مرشح متحمس جداً ويرى أن حظوظه قوية، ولديه من الإمكانيات ما يحول النهر في بلدته إلى مشروع لا تكلفة له، ولكن ما يحتاجه هو النجاح في الانتخابات، ووجود بعض الشرفاء من حوله، وهو ما لا يتوقع حصوله.

أربعة بواحد

في مسلسل الفساد أنماط غريبة من تبديل الأشخاص على أن يكونوا غير مؤهلين، والشرط الرئيس كما يقول (محمود) أن يكونوا موالين لسلسلة الفساد المعتمدة.

فماذا يعني أن يتم تغيير أربعة رؤساء بلديات في دورة واحدة، وليس منهم سوى مهندس واحد مريض، والبقية لا يمتون إلى اختصاص الإدارة أو الهندسة في شيء؟!.

الأول قام بمشاريع للبنية التحتية، وزوّر في بيانات المواد الأولية، وتجاوز على أراضي التوزيع الإجباري، وفسر القوانين الناظمة للبناء على هواه، وبما يخدم مصالحه، أم علاقاته الراسخة والقوية فهي مع اثنين ممن امتهنوا التعهدات بعد أن كانوا عاملين في ورش صغيرة، أو لديهم وساطات لا يشق لها غبار.

الثاني يتابع محمود: أتى من سلك التعليم، وظن البلدية مدرسة، وكانت صدمته الأولى عندما اكتشف أن البلدية مجموعة من خبراء النصب والتدليس.. غادر بصمت؟

الثالث كان مهندساً مريضاً وعصابياً، ولم يستطع الصمود لأكثر من شهرين، فما كان منه إلا أن طلب على عجل إعفاءه.. ولبي الطلب فوراً.

الرابع  جاء من سلك التمريض، يرى أن القصة وهذه فلسفته في أنه صاحب الرأي السديد، وهذا ما أدى إلى أخطاء بالجملة، ضيّعت المشاريع، وصنعت مخالفات في كل مكان.

اعترافات رسمية..

في تصريحات سابقة لوزير الإدارة المحلية السابق في الحكومة السابقة، تحدث عن ما نسبته 33 % من رؤساء المجالس المحلية (مدن، بلدات) أعفوا من مناصبهم بسبب الإهمال والفساد، وعدم تنفيذ القانون.

النسبة-  فيما يعتقد المواطن والتي تأتي من تشابه هؤلاء من حيث العقلية ونظام الإدارة-  أنها تفوق الاعترافات الحكومية، فالكثير منهم تمت التعمية عليه، وبعضهم استمر رغم فساده، وآخرون صعدوا إلى مناصب أعلى في سلم الوظيفة، وقليل منهم استطاعوا بذكائهم أن يجدوا مخارج قانونية.. وما أكثرها.

أما عن أسباب الإهمال فهي الإهمال في تنفيذ القوانين الضابطة للبناء، والتورط في مخالفات البناء، وعدم تنفيذ القانون 59 ومن قبله القانون رقم 1 للعام 2003 المتعلقين بمخالفات البناء التي ساهمت في توسع العشوائيات على حساب الأراضي الزراعية وأملاك الدولة، وبعضها تجاوز على الأملاك الخاصة.

وهذا الفساد الذي يبدو فقط على شكل مدن بائسة تحيط بشوارع منظمة، وفيها لا مكان للبنية التحتية، وأما في نتائج هذا الفساد فهو ما أدى إلى مشاريع جديدة لإنقاذ هذا الخراب، والقبول بالعشوائيات كأمر واقع، وتصريحات وزير الإدارة المحلية في أن الحل ليس في قمع المخالفات بل في تأمين السكن البديل المحترم للمواطن، وهذه مسؤولية الدولة فقط.

مواصفات محلية

لأن أغلبهم يظن أن الانتخابات لن تأتي بمسؤول محلي يرضيهم توجهنا بسؤالهم عن مواصفات الموظف الحلم الذي من الممكن أن يساهم في حل مشكلات عالقة، وليست على مستوى الدولة حيث من المتوقع وبتطبيق القانون الجديد للإدارة المحلية أن يمنح بعض الصلاحيات، والتي بدورها ستخفف من البيروقراطية الإدارية، ومركزية القرار.

يرى أدهم أن قليلاً من النزاهة وعدم الدعم الذي يؤدي إلى الاستهانة بالقانون في شخص الرجل القادم يضع الأمور في نصابها، ويحقق بعض العدالة.

أما رستم الموظف المتقاعد فيقول: مر على رأسي عدد كبير من رؤساء البلديات، منذ عام 1971 وحتى الآن أرى نسخاً مكررة وممسوخة، وأما ما يمكن أن يغيّر هذا التناسخ فهو أن يأتي من لديه قليل من الشخصية والقدرة على السيطرة على مفاتيح العمل البلدي، وهذا ما يخلق موظفاً مسؤولاً قادراً على اتخاذ القرار.

يرى محمد المهندس الشاب أن المشكلة تكمن في القانون الذي يأتي مثقوباً، وبالتالي عدم التعاطي مع القانون على أنه وثيقة اجتماعية مقدسة ومتعاقد عليها يجعل من انتهاكه أمراً يسيراً.. وكلنا يعرف أن أغلب رؤساء البلديات يحمّلون رؤساء المكاتب الفنية المسؤولية في خرق القانون بحجة أنهم ليسوا مهندسين، ولا يفهمون في المخططات.

فراس من قائمة الجبهة (ليس بعثياً) يرى أن بالإمكان وفي ضوء قانون يعطي الجميع الحق بالمساواة في الدعاية، والثقة، وعدم الاستئثار من الطبيعي أن يوصل أشخاصاً على قدر كبير من الوطنية والكفاءة.

الفساد الإداري المتسلسل

لا يمكن أن يكون هناك موظف فاسد إذا لم يكن مسؤوله المباشر فاسداً، ويدلل برهان على كلامه بمحاسبي البلديات الذين يتلاعبون بالعمل الشعبي، وفواتير الصرف والصناديق، وأنهم يشكلون هامشاً كبيراً في أي بلدية فاسدة.

أما أبو يحيى فيقول إن كثيراً من المحافظين يساهمون في الفساد عبر تمرير تقارير الرقابة إلى موظفي الرقابة الداخلية الماهرين في تسويف الحقائق،والبحث عن مستخرجات للفاسد من قوانين بائدة يستخدمونها عند الحاجة.

المواطن أنطون.ح: أنا في الثمانين من عمري، وقصتي مع بلديتي قطعت خمس سنوات في تصوير القرارات، ومحاضر اللجان، والقرارات التي لم ينفذها أحد، وحتى القرار الوحيد الذي قضى بسجن رئيس البلدية وعناصر المكتب الفني تم التلاعب به، وتسويفه، وحتى الآن أقدم الطلبات وأتلقى الوعود بالحل، ومن المحافظ حتى أصغر موظف يقولون لي معك حق.. وحقي ضائع.

شفافية بالحبر السري

تعول الحكومة على هذه الانتخابات كأحد المخارج من الأزمة السياسية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، وهذا ما تؤكده التصريحات الرسمية على ضرورة تحقيق قدر كبير من الشفافية والنزاهة في صناديق الاقتراع، وتؤكد تصريحاتها على أنها على استعداد تام لإنجاز العملية الانتخابية، وتوفير أجواء صحية للمواطن، وضرورة أن يعطي صوته لمن يستحقه.

وقد اعتمدت بذلك ولأول مرة الحبر السري الذي سيساعد على عدم التزوير، وضمان شفافية العملية الانتخابية.. ولكن السؤال الذي يجب أن تجيب عليه الحكومة ما هي الآلية التي اعتمدتها (غير الملصقات الإعلانية) لتثبت للمواطن جديتها، وبأن صوته لن يذهب في الهواء وسط مضاربات الاقتراع، ومنافسة مدعومة من البعض لمصلحة البعض، وأن من سيدير مكاتب مجالس المدن والبلدات ليسوا نسخاً مختلفة الأسماء عمن اعتلوها سابقاً؟