المشافي «الوطنية».. اسمٌ أسقطت عنه الصفة!
هل المشافي الوطنية ما زالت وطنية بالفعل تُخدم المواطنين الفقراء، أم شابها الفساد والاستثمار والإهمال وبقيت محافظة على الاسم فقط..!؟ من المسؤول عن كل التراجعات في دور الدولة وما كانت تقدمه من خدمات..!؟ والسؤال الأهم من يحاسب المسؤولين عن ذلك، ومتى..!؟
في منتصف السبعينيات أنجز سد الفرات في سورية بمساعدة الاتحاد السوفييتي آنذاك مع العديد من المشاريع الأخرى في إطار مساعدته للشعوب الفقيرة على مستوى العالم، من تدريب وتدريس الكوادر الفنية والعلمية وحتى الثقافية، الاتحاد الذي جرى تخريبه من جشع الفاسدين ولآمة الليبراليين وإنكار الجاحدين للجميل..
سد الفرات يعتبر من المشاريع الوطنية والطبقية (الاشتراكية) التي نؤكد اليوم أكثر من السابق بأنها هي الحل بعد إزالة العفن الذي لحقها منذ منتصف القرن الماضي، الاشتراكية التي تطرق أبواب القرن الحادي والعشرين بقوة وتعيد الدور والاعتبار للماركسيين اللينينيين الحقيقيين..
وقد أنشئت مدينة الطبقة الحديثة (الثورة) على ضفاف بحيرة السد، لإسكان العمال والفنيين وحتى قسم من سكان المنطقة. وفي جولة سابقة في المشفى الوطني في المدينة، كان يمكن للمرء ملاحظة ضخامة المشفى وكثرة ملحقاتها التخصصية وأجهزتها الفنية المتقدمة لأغلب الاختصاصات، وكذلك سهولة الدخول وتلقي المعالجة فيها على أيدي الأطباء والكوادر الطبية الأخرى.
ولا شك أن ذلك كان من أهم المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة خلال نضالها وتضحياتها الطويلة السابقة، ولكن المشفى نالها اليوم ما نال أغلب مؤسسات الدولة وشركاتها ودوائرها من فساد ونهب وتهميش وسرقات ومحسوبيات ورشاوى، وهو ما يزداد يوماً عن يوم في زمن التراجعات عن الضمان الصحي ودور الدولة عموماً.
ورغم ضخامة المشفى ووجود الأجهزة، فإنها تشكو من النقص الحاد في الكوادر الطبية وخاصةً الأطباء المقيمين والأخصائيين لكونها تقع على مسافة 50 كم من مدينة الرقة وهو ما يجعل من انتقال الأخصائيين إليها أمراً صعباً، وحال المشفى لا يختلف عن حال شقيقتها في الرقة وربما شقيقاتها في المحافظات الأخرى في المنطقة الشرقية بل وكل شركات ومؤسسات الدولة (القطاع العام سابقاً)، ورغم كل ذلك ما يزال هناك العديد من الشرفاء والغيورين على مصلحة الشعب والوطن يحاولون وبصعوبة القيام بواجبهم وسدّ هذا النقص الناجم عن تجاهل واضعي السياسات الاقتصادية الاجتماعية الليبرالية في البلاد لحال القطاع الصحي عموماً ودوره الاجتماعي خصوصاً في مختلف المحافظات السورية. فقد أدت السياسات الاقتصادية المتبعة إلى تهجير الكوادر الطبية والفنية خارج البلاد نتيجة تدني الأجور والتهميش والمحسوبيات والفساد، أما من بقي منهم فاكتفى بفتح عيادته وأغلبهم بات لا يستطيع العيش بحد الكفاف..
وقد قام محافظ الرقة الجديد بمحاولة التعاقد مع طاقم طبي من محافظة حلب وسد العجز الموجود ولم تنجح جهوده ورغم ذلك ما زالت الطبخة على الموقد، ولنكن واضحين أكثر؛ تصوروا أن راتب الطبيب المتعاقد بعد عدة سنوات حوالي 10آلاف ليرة وفي أحسن الأحوال لا يتجاوز 15 ألف، أما رواتب المقيمين فهي أقل من ذلك..!! فهل بمقدور المواطن الفقير إجراء عملية وضع شبكة شرايين تكلف أكثر من 250 ألف ليرة ناهيك عن ارتفاع أسعار الأدوية والتحاليل الطبية والصور الإشعاعية وأجور الكشف الطبي التي باتت تجبره على كتم آلامه وعدم معالجة نفسه؟.. وهل بإمكانه أن ينتظر حتفه، بينما غيره من الفاسدين يتنعمون بخيرات الوطن والشعب..؟!
من وراء ذلك؟ ومن وراء تعقيد شروط الإقامة والاختصاص؟ ومن وراء رفع درجات قبول الطلاب لدراسة الطب في الجامعات الحكومية وغيرها من الاختصاصات؟ ومن يدفع نحو خصخصتها ونحو الجامعات الخاصة..!؟ كلها أسئلة مشروعة، فوراء كل هذه المصائب نهج واحد!.
إنّ حق الحياة والضمان الصحي يكفله الدستور، وحقّ التعليم يكفله الدستور، وحقّ العيش بكرامة يكفله الدستور.. والدستور في المادة 14 ينص على خيار الاشتراكية.. ومن يخالف الدستور هل ما زال يسمى وطنياً كما تسمى المشافي الوطنية- اسماً فقط؟ حيث تحول قسم منها إلى نهج الاستثمار.. هذا ما يجب على جميع الشرفاء في سورية مواجهته ومحاسبته اليوم قبل الغد!.