مطبات: دعم استراتيجي جداً!
نعم، ودون أدنى شك، لم تملك الحكومة المنصرمة إستراتيجية واقعية لانتشال اقتصادنا من عثراته، ولم تكن خططها الخمسية المتتابعة سوى محاولة صوتية لتقول لنا إنها تساهم في حياتنا بغض النظر عن نتائج هذه المساهمة.
اليوم تكتب زميلة صحفية عن اقتراح لوزير الاقتصاد في الحكومة الحالية في كتاب وجهه لتجار دمشق يقول فيه: (نريد ثلاثة ملايين ليرة سورية كدعم للبسطات حيث قدرّت أعدادها بعشرين ألف بسطة في دمشق وحدها وتتمركز وسط المدينة، وعلى اعتبار أنها توفر فرص عمل جيدة للعاطلين وشغلت الآلاف، فلماذا يجب إزالتها).
في كتاب الوزير ثمة ما يبعث على التفكير في كيفية تفكير الحكومة الجديدة، هل من الممكن اعتبار هذا الكتاب نواة لخطة خمسية قادمة بهذا السياق؟ وهل من الممكن أن نعمم هذا كأنموذج لرؤية الحكومة لآليات إصلاح الاقتصاد السوري؟.
هل يريد الوزير دعم ما هو خارج القانون والجمال، وفي وقت لم يفكر أحد في الحكومة الحالية لإعادة ما تم سحبه من المواطن المسكين من دعم للمحروقات والمواد الأساسية، وإعادة الأسعار إلى ما كانت عليه لتناسب دخله، وهذا ما سيدعم سلعة الغذاء التي تفرغ.
فيما يرى الوزير أن لا أسباب تدعو لإزالة البسطات من شوارع دمشق على الأقل أتساءل: هل سطّر الوزير اقتراحه بعد مروره راجلاً من سوق الحمراء أو الصالحية ذات مساء قريب.
هل دعم البسطات سيكون من خلال سقف السوق القماشي الذي يحجب أبواب كلية الحقوق في البرامكة، أم سيتم دفع الملايين المقترحة لإيجاد مكان للحاويات التي صارت تتوسط الشارع في السوق نفسه، أم لشق طريق لمرور المواطنين الذي يتهدد حياتهم سائق أرعن على خط (مهاجرين –صناعة) بعد أن فقدوا رصيف الأمان الذي تحول إلى سوق تحوي ما تيسر منخلطات عجيبة.
هل يعرف الوزير الأضرار التي أصابت أصحاب المحلات في أسواق دمشق الكبيرة من فلتان (البسطات)، ومن الفوضى التي عمت السوق بعد أن صار بائعو الصيني والتركي هم سادة السوق مما اضطر هؤلاء للدخول في سباق كسر السعر لكي يخرجوا من ركود عميق.
لا يحتاج أي مراقب لذاكرة بعيدة ليعدد كيف كانت تتعامل الحكومة مع أصحاب البسطات الذين لا يدفعون أية ضرائب ولا بدل حجر الرصيف، ولا غرامة إشغاله.
أليس هؤلاء جزءاً من اقتصاد الظل الذي حاربت الحكومة لأجل تخليصنا من تبعاته وأضراره، ونعتت الحكومات السابقة لتكريسه، واعتبرته من أهم هوامش تكريس البطالة والجريمة.
ألم تكن هواية شرطة محافظة دمشق مطاردة (البسطات) في الشوارع الخلفية، وخلط الموز والتمر والأحذية والكتب التي باعها اتحاد الكتاب على شكل مكاتب معلقة في الشوارع.
ألم تسعَ محافظة دمشق إلى إيجاد بدائل لهذه الأسواق في سوق موحدة تجمع كل هذا الخليط بعيداً عن وسط المدينة.
أعتقد أن لا أحد في الحكومة الحالية مر من بين هذه البسطات المتعانقة في البرامكة، ولا شاهد قطيع المتسولين الصغار مقطوعي الأرجل، ولا النساء اللواتي يبسطن أولادهن بين الأرجل العابرة.
يرى الوزير أن دعم البسطات سيساهم في خلق فرص عمل لجموع العاطلين، وتساهم في محاربة البطالة.. هل إستراتيجية الدعم هذه هي أقصى ما لدى هذه الحكومة لمساعدة العاطلين عن العمل؟
ترى هل نسي الوزير أن من واجب الحكومة رسم إستراتيجية ترقى لمستوى الدولة... الدولة التي يجب أن تشجع الاستثمار، وتسهل المشاريع التنموية، والقروض بأنواعها، وخلق الفرص الحقيقية للعمل، وتضع الرجل المناسب في (مكانه)...؟.